ولما عبر عن المعنى : بالمجيء عبر عن المرئي بالرؤية فقال تعالى : { ورأيت } ، أي : ببصرك الناس ، أي : العرب الذي كانوا حقيرين عند جميع الأمم ، فصاروا بك هم الناس ، كما دلت عليه لام الكمال ، وصار سائر أهل الأرض لهم أتباعاً ، بالنسبة إليهم رعاعاً حال كونهم { يدخلون } شيئاً فشيئاً متجدّداً دخولهم مستمرّاً { في دين الله } ، أي : شرع من لم تزل كلمته هي العليا { أفواجاً } ، أي : جماعات كثيفة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها ، بعد ما كانوا يدخلون واحداً واحداً ، واثنين اثنين .
وعن جابر بن عبد الله أنه بكى ذات يوم ، فقيل له في ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وسيخرجون منه أفواجاً » . وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن ، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين ، بعضهم يؤذنون ، وبعضهم يقرؤون القرآن ، وبعضهم يهللون ، فسر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك . قال أبو هريرة : لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«الله أكبر ، جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن ، قوم رقيقة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية » وقال : «أجد نفس ربكم من قبل اليمن » ، وفي هذا تأويلات :
أحدها : أنه الفرج لتتابع إسلامهم أفواجاً .
الثاني : أنّ الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلى الله عليه وسلم بأهل اليمن وهم الأنصار . وعن الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أقبلت العرب بعضها على بعض ، فقالوا : أمّا إذ ظفر بأهل الحرم فليس به يدان ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، ومن كل من أرادهم ، فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجاً من غير قتال ، أمّة بعد أمّة . قال الضحاك : والأمة أربعون رجلاً .
تنبيه : دين الله تعالى هو الإسلام لقوله تعالى : { إنّ الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } [ آل عمران : 85 ] ، وإضافة الدين إلى الاسم الدال على الإلهية إشارة على أنه يجب أن يعبد لكونه إلهاً ، وللدّين أسماء أخر منها الصراط ، قال تعالى : { صراط الله } [ الشورى : 53 ] ، ومنها النور { يريدون ليطفئوا نور الله } [ التوبة : 32 ] ، ومنها الهدى قال تعالى : { هدى الله يهدي به من يشاء } [ الأنعام : 88 ] ، ومنها العروة الوثقى قال تعالى : { ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } [ البقرة : 256 ] ، ومنها الحبل المتين قال تعالى : { واعتصموا بحبل الله } [ آل عمران : 103 ] ، ومنها صبغة الله ، ومنها فطرة الله .
تنبيه : جمهور الفقهاء وأكثر المتكلمين على أنّ إيمان المقلد صحيح ، واحتجوا بهذه الآية قالوا : إنّ الله تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج ، وجعله من أعظم المنن على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن إيمانهم صحيحاً لما ذكره في هذا المعرض ، ثم إنا نعلم قطعاً أنهم كانوا يعرفون حدوث الأجسام بالدليل ، ولإثبات كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ، ولإثبات الصفات والتنزيهات بالدليل والعلم بأنّ أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري ، فعلمنا أنّ إيمان المقلد صحيح .
فإن قيل : إنهم كانوا عالمين بأصول دلائل هذه المسائل ؛ لأنّ أصول هذه الدلائل ظاهرة ؛ بل كانوا جاهلين بالتفاصيل ؟
أجيب بأنّ الدليل لا يقبل الزيادة والنقصان ، فإنّ الدليل إذا كان مثلاً من عشر مقدمات فمن علم تسعة منها ، وكان في المقدّمة العاشرة مقلداً ، كان في النتيجة مقلداً لا محالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.