المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

23- حَرَّمَ الله عليكم أن تتزوجوا أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، والمحرمات لغير النسب : أمهات الرضاعة ، والأخوات من الرضاعة{[41]} ، وأمهات الزوجات وبنات الزوجات من غير الأزواج إذا دخلتم بهن ، وزوجات أبناء الصلب ، والجمع بين الأختين ، وما سلف في الجاهلية فإنه معفوٌّ عنه . إن الله غفور لما سلف قبل هذا النهج ، رحيم بكم فيما شرع لكم .


[41]:اختصت شريعة القرآن من بين الشرائع القائمة بالتحريم بسبب الرضاعة، لأن الرضيع يتغذى من جسم المرضع كما يتغذى من جسم أمه في بطنها فكلاهما يكون أجزاء جسمه، ولا فرق بين تكوين في الحجر، وتكوين في البطن، وفي التحريم بالرضاعة تكون للمرضع إذ تكون كالأم في التحريم، وفي هذا تشجيع على الإرضاع الذي هو الغذاء الطبيعي للأطفال في المهد. تسبق هذه الآية الشريفة علم الوراثة فيما قررته من تحريم زواج الأقارب، وقد ثبت علميا أخيرا أن زواج الأقارب يسبب ذرية أفرادها على استعداد للأمراض وبهم عيوب خلقية، وأن درجة التناسل تقل حتى تصل إلى العقم، أما زواج الأباعد فإنه يأتي بنتائج على عكس ذلك كما تزيد عليها نتيجة عرفت باسم قوة الخليط، ويقصد بها أن النسل الناتج من رتبة الأباعد يفوق كلا من أبويه في كثير من صفاته، كما يمتاز النسل كذلك بزيادة الوزن وقوة مقاومته للأمراض وسرعة النمو وقلة الوفيات.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

{ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن أنه معظم ما يقصد منهن ، ولأنه المتبادر إلى الفهم كتحريم الأكل من قوله : { حرمت عليكم الميتة } ولأن ما قبله وما بعده في النكاح ، وأمهاتكم تعم من ولدتك أو ولدت من ولدك وإن علت ، وبناتكم تتناول من ولدتها أو ولدت من ولدها وإن سفلت ، وأخواتكم الأخوات من الأوجه الثلاثة . وكذلك الباقيات والعمة كل أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك والخالة كل أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك قريبا أو بعيدا ، وبنات الأخ وبنات الأخت تتناول القربى والبعدى . { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما والمرضعة أختا ، وأمرها على قياس النسب باعتبار المرضعة ووالد الطفل الذي در عليه اللبن قال عليه الصلاة والسلام : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) . واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتهما من النسب بالمصاهرة دون النسب . { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ذكر أولا محرمات النسب ثم محرمات الرضاعة ، لأن لها لحمة كلحمة النسب ، ثم محرمات المصاهرة فإن تحريمهن عارض لمصلحة الزواج ، والربائب جمع ربيبة . والربيب ولد المرأة من آخر سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر ، فعيل بمعنى مفعول وإنما لحقه التاء لأنه صار اسما ومن نسائكم متعلق بربائبكم . واللاتي بصلتها صفة لها مقيدة للفظ والحكم بالإجماع قضية للنظم . ولا يجوز تعليقها بالأمهات أيضا لأن من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية ، وإذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل وجب أن يكون بيانا لنسائكم والكلمة الواحدة لا تحمل على معنيين عند جمهور الأدباء اللهم إذا جعلتها للاتصال كقوله :

إذا حاولت في أسد فجورا *** فإني لست منك ولست مني

على معنى أن أمهات النساء وبناتهن متصلات بهن ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال في رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها " إنه لا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها " . وإليه ذهب عامة العلماء ، غير أنه روي عن علي رضي الله تعالى عنه تقييد التحريم فيهما . ولا يجوز أن يكون الموصول الثاني صفة للنساءين لأن عاملهما مختلف ، وفائدة قوله { في حجوركم } تقوية العلة وتكميلها ، والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن وهن في احتضانكم أو بصدده تقوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة ، وإليه ذهب جمهور العلماء . وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعله شرطا ، والأمهات والربائب يتناولان القريبة والبعيدة ، وقوله دخلتم بهن أي دخلتم معهن الستر وهي كناية عن الجماع ، ويؤثر في حرمة المصاهرة ما ليس بزنا كالوطء بشبهة ، أو ملك يمين . وعند أبي حنيفة لمس المنكوحة ونحوه كالدخول . { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } تصريح بعد إشعار دفعا للقياس . { وحلائل أبنائكم } زوجاتهم ، سميت الزوجة حليلة لحلها أو لحلولها مع الزوج . { الذين من أصلابكم } احتراز عن المتبنين لا عن أبناء الولد { وأن تجمعوا بين الأختين } في موضع الرفع عطفا على المحرمات ، والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح فإن المحرمات المعدودة كما هي محرمة في النكاح فهي محرمة في ملك اليمين ، ولذلك قال عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما حرمتهما آية وأحلتهما آية ، يعنيان هذه الآية . وقوله : { أو ما ملكت أيمانكم } فرجح علي كرم الله وجهه التحريم ، وعثمان رضي الله عنه التحليل . وقول علي أظهر لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك ولقوله عليه الصلاة والسلام " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام " { إلا ما قد سلف } استثناء من لازم المعنى ، أو منقطع معناه لكن ما قد سلف مغفور لقوله : { إن الله كان غفورا رحيما } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

وقوله تعالى : { حرمت عليكم } الآية ، حكم الله به سبعاً من النسب ، وستاً من بين رضاع وصهر ، وألحقت السنة المأثورة سابعة ، وذلك الجمع بين المرأة وعمتها ، ومضى عليه الإجماع ، وروي عن الأنصار : مثل ذلك ، وجعل السابعة قوله تعالى : { والمحصنات من النساء } [ النساء : 24 ] ، وتحريم الأمهات عام في كل حال لا يتخصص بوجه من الوجوه ، ويسميه أهل العلم – المبهم_أي لا باب فيه ، ولا طريق إليه لانسداد التحريم وقوته ، وكذلك تحريم البنات والأخوات ، فالأم كل من ولدت المرء وإن علت والبنت كل من ولدها وإن سفلت ، والأخت كل من جمعه وإياها صلب أو بطن ، والعمة أخت الأب ، والخالة أخت الأم ، كذلك فيهما العموم والإبهام ، وكذلك عمة الأب وخالته ، وعمة الأم وخالتها ، وكذلك عمة العمة ، وأما خالة العمة فينظر ، فإن كانت العمة أخت أب لأم ، أو لأب وأم فلا تحل خالة العمة ، لأنها أخت الجدة ، وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط فخالتها أجنبية من بني أخيها ، تحل للرجال ، ويجمع بينها وبين النساء وكذلك عمة الخالة ينظر ، فإن كانت الخالة أخت أم لأب ، فعمتها حرام ، لأنها أخت جد ، وإن كانت الخالة أخت أم لأم فقط فعمتها أجنبية من بني أختها وكذلك في بنات الأخ وبنات الأخت العموم والإبهام ، سواء كانت الأخوة شقيقة . أو لأب أو لأم . وقرأ أو حيوة «من الرِّضاعة » بكسر الراء ، والرضاع يحرم ما يحرم النسب ، والمرضعة أم ، وما تقدم من أولادها وتأخر إخوة ، وفحل اللبن أب ، وما تقدم من أولاده وتأخر إخوة ، وقرأ ابن مسعود «اللاي » بكسر الياء ، وقرأ ابن هرمز «وأمهاتكم التي » بالإفراد ، كأنه من جهة الإبهام يقع مع الواحد والجماعة ، واختلف الناس في تأويل قوله تعالى : { وأمهات نسائكم } فقال جمهور أهل العلم : هي تامة العموم فيمن دخل بها أو لم يدخل ، فبالعقد على الابنة حرمت الأم ، وهذا مذهب جملة الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قيل له في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أيتزوج أمها ؟ قال : نعم ، هي بمنزلة الربيبة .

قال القاضي أبو محمد : يريد أن قوله تعالى : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } شرط في هذه ، وفي الربيبة وروي نحوه عن ابن عباس ، وروي عنه كقول الجمهور ، وروي عن زيد بن ثابت ، أنه كان يقول : إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها ، وإن طلقها قبل أن يدخل بها ، فإن شاء فعل ، وقال مجاهد : الدخول مراد في النازلتين ، وقول جمهور الناس مخالف لهذا القول ، وروي في ذلك عن زيد بن ثابت أنه قال : { أمهات نسائكم } مبهمة ، وإنما الشرط في الربائب ، وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أكان ابن عباس يقرأ «وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن » ؟ فقال لا تترأ ، قال حجاج : قلت لابن جريج : ما تترأ ؟ قال كأنه قال : لا لا ، يرد هذا القول من جهة الإعراب أن المجرورين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحداً ، ومعناه : إذا اختلفا في العامل ، وهذه الآية قد اختلف فيها جنس العامل .

الربيبة : بنت امرأة الرجل من غيره ، سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبته ، وربيبة : فعيلة بمعنى مفعولة ، وقوله تعالى : { اللائي في حجوركم } ذكر الأغلب في هذه الأمور ، إذ هي حالة الربيبة في الأكثر ، وهي محرمة وإن كانت في غير الحجر ، لأنها في حكم أنها في الحجر ، إلا ما روي عن علي أنه قال : تحل إذا لم تكن في الحجر وإن دخل بالأم ، إذا كانت بعيدة عنه ، ويقال : حِجَرْ بكسر الحاء وفتحها ، وهو مقدم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حالة اللبس ، ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر ، لأن اللابس إنما يحفظ طفلاً وما أشبهه بذلك الموضع من الثوب ، واختلف العلماء في معنى قوله : { دخلتم بهن } فقال ابن عباس وطاوس وابن دينار : الدخول في هذا الموضع الجماع ، فإن طلق الرجل بعد البناء وقبل الوطء ، فإن ابنتها له حلال وقال جمهور من العلماء منهم مالك بن أنس وعطاء بن أبي رباح وغيرهم : إن التجريد والتقبيل والمضاجعة وجميع أنواع التلذذ يحرم الابنة كما يحرمها الوطء ، والحلائل : جمع حليلة ، وهي الزوجة ، لأنها تحل مع الرجل حيث حل ، فهي فعيلة بمعنى فاعلة ، وذهب الزجاج وقوم : إلى أنها من لفظة الحلال ، فهي حليلة بمعنى محللة ، وقوله : { الذين من أصلابكم } تخصيص ليخرج عنه كل من كانت العرب تتبناه ممن ليس للصلب ، وكان عندهم أمراً كثيراً قوى الحكم ، قال عطاء ابن أبي رباح : يتحدث - والله أعلم - أنها نزلت في محمد عليه السلام حين تزوج امرأة زيد بن حارثة ، فقال المشركون : قد تزوج امرأة ابنه ، فنزلت الآية ، وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم ، ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ){[3923]} ، وقوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } لفظ يعم الجمع بنكاح وبملك يمين ، وأجمعت الأمة على منع جمعهما بنكاح ، وأما بملك يمين ، فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : أحلتهما آية ، وحرمتهما آية ، فأما أنا في خاصة نفسي فلا أرى الجمع بينهم حسناً ، وروي نحو هذا عن ابن عباس ، ذكره ابن المنذر ، وذكر أن إسحاق بن راهويه حرم الجمع بينهما بالوطء ، وأن جمهور أهل العلم كرهوا ذلك ، وجعل مالكاً فيمن كرهه .

قال القاضي أبو محمد : ولا خلاف في جواز جمعهما في الملك ، وكذلك الأم وبنتها ، ويجيء من قول إسحاق أن يرجم الجامع بينهما بالوطء ، وتستقرأ الكراهية من قول مالك : إنه إذا وطىء واحدة ثم وطىء أخرى وقف عنهما حتى يحرم إحداهما فلم يلزمه حدا . واختلف العلماء بعد القول بالمنع من الجمع بينهما بالوطء ، إذا كان يطأ واحدة ثم أراد أن يطأ الأخرى ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمرو والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق : لا يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الأخرى بإخراجها من ملكه ، ببيع أو عتق أو بأن يزوجها ، قال ابن المنذر : وفيها قول ثان لقتادة ، وهو أنه إن كان يطأ واحدة وأراد وطء الأخرى فإنه ينوي تحريم الأولى على نفسه وأن لا يقربها ، ثم يمسك عنها حتى يستبرىء الأولى المحرمة ، ثم يغشى الثانية .

قال القاضي أبو محمد : ومذهب مالك رحمه الله ، إذا كان أختان عند رجل بملك ، فله أن يطأ أيتهما شاء ، والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته ، فإن أراد وطء الأخرى فيلزمه أن يحرم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله ، من إخراج عن الملك ، أو تزويج ، أو عتق إلى أجل ، أو إخدام طويل ، فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرم الأولى وقف عنهما ولم يجز له قرب إحداهما حتى يحرم الأخرى ، ولم يبق ذلك إلى أمانته ، لأنه متهم فيمن قد وطىء ، ولم يكن قبل متهماً إذا كان لم يطأ إلا الواحدة ، وإن كانت عند رجل أمة يطؤها ثم تزوج أختها ، ففيها في المذهب ثلاثة أقوال ، في النكاح الثالث من المدونة أنه يوقف عنهما إذا وقع عقد النكاح حتى يحرم إحداهما مع كراهيته لهذا النكاح ، إذ هو عقد في موضع لا يجوز فيه الوطء ، وذلك مكروه إلا في الحيض ، لأنه أمر غالب كثير ، وفي الباب بعينه قول آخر : إن النكاح لا ينعقد ، وقال أشهب في كتاب الاستبراء : عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة ، وثبت عن النبي صلى الله عليه أنه نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها ، وأجمعت الأمة على ذلك وقد رأى بعض العلماء أن هذا الحديث ناسخ لعموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } [ النساء : 24 ] وذلك لأن الحديث من المتواتر ، وكذلك قوله عليه السلام ، يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، قيل أيضاً إنه ناسخ ، وقوله تعالى : { إلا ما قد سلف } استثناء منقطع ، معناه لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن الله يغفره ، والإسلام يجبّه .


[3923]:- ورد في مواضع متعددة من صحيح البخاري، كما أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن.