التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما ) . يتبين من هذه الآية ثلاثة موانع مؤبدة للزواج وهي : النسب والرضاع والمصاهرة . وبعبارة أخرى فإن النساء المحرمات ثلاث أصناف على النحو التالي : المحرمات للنسب أو القرابة . المحرمات للصهرية . المحرمات للرضاع .

المحرمات للنسب وهن سبع فرق :

الأولى : الأم . فإنه تحرم على الرجل أمه وكذلك جداته سواء كن من قبل الأب أو الأم فالأم يشملها اللفظ على الحقيقة . أما الجدة فيشملها اللفظ على المجاز .

الثانية : البنت . وضابطها : كل من ولدتها فهي بنتك حقيقة . أو ولدت من ولدها ذكرا كان أم أنثى كأن تكون بنت ابن وإن نزل . أو بنت بنت وإن نزلت .

الثالثة : الأخت . يستوي في ذلك كل من الأخت لأب وأم وهي الشقيقة والأخت لأب . ثم الأخت لأم .

الرابعة : العمة . وهي تشمل أخت الأب لأب وأم ، أو لأب ، أو لأم .

الخامسة : الخالة . وهي تشمل أخت الأم لأب وأم . أو لأم .

السادسة : بنت الأخ . ويدخل في ذلك بنت الأخ لأب وأم ، أو لأب ، أو لأم . وبنات الأخ يحرمن وإن نزلن .

السابعة : بنت الأخت . ويدخل في ذلك بناء الأخت لأب وأم ، أو لأب ، أو لأم . وهن جميعا يحرمن وإن نزلن .

المحرمات للرضاع :

فقد وقفنا عليهن من قوله تعالى ( وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . وكذلك من السنة . ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ( قال : " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " وفي لفظ لمسلم أن النبي ( ( ) قال : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " . وكذلك فقد انعقد الإجماع على التحريم بسبب الرضاع .

على أن سبب التحريم للرضاع يكون من جهتين :

الجهة الأولى : المرضعة : فإن التحريم ينتشر منها إلى فصولها نسبا أو رضاعا وإن نزلوا . وينتشر التحريم كذلك إلى حواشي المرضعة نسبا أو رضاعا . وهم اخوتها وأخواتها سواء كانوا أشقاء أو غير أشقاء . وكذلك أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها حقيقة أو مجازا .

الجهة الثانية : الفحل ، وهو الزوج ( صاحب اللبن ) فإذا أرضعت المرأة ذات الفحل ولدا صار الفحل أبا له ولفروعه . وحينئذ ينتشر تحريم الرضيع وفروعه من الفحل إلى كل من أصوله وفروعه وحواشيه .

التحريم للرضاع :

كل من حرم بسبب النسب من الأصناف السبعة السابقة فإنه يحرم كذلك بسبب الرضاعة . والأصل في هذه القاعدة هو الحديث الشريف القائل : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وتفصيل المحرمات بسبب الرضاع يأتي على النحو التالي : الأم من الرضاع . وضابطها هو : كل من أرضعتك ، أو أرضعت من أرضعتك ، أو أرضعت من ولدك ، أو ولدت مرضعتك فهي أم من الرضاع .

البنت من الرضاع ، وضابطها هو : كل امرأة ارتضعت بلبنك أو لبن من ولدته ، فهي تحرم عليك وكذلك بناتها من نسب أو رضاع وإن نزلن .

العمة من الرضاع . وضابطها هو : كل أخت لصاحب اللبن وهو الفحل أو لأبيه وإن علا سواء كان ذلك من نسب أو رضاع .

الأخت من الرضاع ، وضابطها هو : كل من أرضعتها أمك أو ارتضعت بلبن أبيك كأن يكون صاحب لبن من امرأة أخرى ، أو ولدتها من أرضعتك .

الخالة من الرضاع . وضابطها هو : كل أخت للمرضعة أو أخت للمرضعة أو أخت لمن ولدت المرضعة سواء كان ذلك من نسب أو رضاع .

بنات الأخوة والأخوات من الرضاع ، وضابطهن هو : كل أنثى من بنات أولاد المرضعة أو الفحل سواء كان ذلك من رضاع أنسب ، وكذلك كل أنثى ارتضعت بلبن أختك أو أخيك سواء كانت هي الرضيعة أو بناتها وبنات أولادها من نسب أو رضاع{[720]} .

المقدار المحرم من اللبن :

اختلف العلماء في مقدار الرضاع الذي يوجب التحريم ، وقد اقترفوا إلى ثلاثة أقوال في هذه المسألة :

القول الأول : وهو مذهب الحنفية والمالكية : وهو مروي عن عمر وعلي وعبد الله بن عباس وغيرهم ، فقد ذهب هؤلاء إلى عدم التحديد بمقدار معين وأن أي قدر كان من اللبن يوجب التحريم بالرضاع . وبذلك فإن قليل الرضاع وكثيره إذا حصل في مدة الرضاع تعلق به التحريم . وقد استدل هؤلاء بإطلاق قوله تعالى : ( وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) فإن اسم الرضاع يتناول الكثير والقليل دون تحديد أو تقييد .

القول الثاني : وهو مذهب الشافعية وأحمد بن حنبل ، فقد قالوا أنه لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات . وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع الرضاع ثم يرضع ثم يقطع . وفي كل مرة تحتسب له رضعة . وذلك مروي عن ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وغيرهم . وقد استدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه عن النبي ( ص ) : " كان فيما أنزل تعالى في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات " . ثم توفي النبي ( ص ) وهن ما يقرأ من القرآن .

القول الثالث : وهو مذهب زيد بن ثابت وأبي ثور وداود الظاهري وأحمد في رواية . فقد ذهبوا إلى تحديد القرد المحرم بثلاث رضعات فما فوقها ، وبذلك فلا تحرم الرضعة والرضعتان . واستدلوا على ذلك بقوله ( ص ) : " لا تحرم الرضعة والرضعتان أو المصة والمصتان " {[721]} .

المحرمات للمصاهرة : وهن على النحو التالي :

أم الزوجة : وهي حرام نكاحها لقوله تعالى : ( وأمهات نسائكم ) فإذا عقد الرجل النكاح على امرأة ترتب على ذلك أن تحرم عليه كل أم لهذه المرأة سواء كانت أما مباشرة حقيقة أو مجازا ويستوي في ذلك أن تكون من جهة النسب أو من جهة الرضاع ، دخل الرجل بالمرأة أو لم يدخل . والقاعدة في ذلك : أن العقد على البنات يحرم الأمهات ، والدخول بالأمهات يحرّم البنات . ومما جاء في ذلك من دليل قول النبي ( ص ) : " إذا نكح الرجل المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فله أن يتزوج ابنتها وليس له أن يتزوج أمها " .

بنت الزوجة : وهي الربيبة كما سماها القرآن . فإنها يحرم نكاحها بالنسبة للزوج ويشمل التحريم هنا بنات الزوجة وبنات بناتها وبنيها وإن نزلن . وشرط التحريم أن يقع الدخول وإذا لم يكن ثمة دخول فلا تحريم ؛ لقوله تعالى : ( وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) .

حليلة الابن : هي زوجة الابن المحللة له . وهي حرام على الأب أن ينكحها بمجرد عقد الابن سواء دخل بها أو لم يدخل ؛ وذلك لقوله تعالى : ( وحلائل أبنائكم ) . وبذلك فإنه يحرم على الرجل نساء أبنائه وأبناء أبنائه وبناته وإن نزلوا سواء كان ذلك من نسب أو رضاع وذلك بمجرد العقد ولو لم يكن ثمة دخول .

حليلة الأب : يحرم على الرجل أن ينكح زوجة من ولده سواء كان أبا أو جدا من قبل الأب أو الأم وإن لم يدخل بها ؛ وذلك لقوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) . والمقصود بالنكاح هنا العقد فمتى عقد أحد من أصول الخص على امرأة فإنه لا يحل تزوجها من قبل أبنائه وأبناء ابنائه وأبناء بناته . وبعبارة أخرى فإنه لا تحل للشخص امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لأمه قرب أو بعد{[722]} .

وقوله تعالى : ( و أن تجتمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) . نصت هذه الآية على تحريم الزواج من أخت الزوجة فلا يجوز أن يجمع بين المرأة وأختها في النكاح سواء كانتا أختين شقيقتين أو لأب أو لأم . سواء كانتا أختين من النسب أو الرضاع . وكذلك فإنه يحرم الجمع بين المرأة وكل من عمتها وخالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها ؛ للحديث الشريف : " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا العمة على بنت أخيها ، ولا المرأة على خالتها ، ولا الخالة على بنت أختها " . والقاعدة في هذا التحريم هي : تحريم الجمع بين امرأتين إذا كانتا بحيث لو قُدرت إحداهما ذكرا حرمت عليه الأخرى سواء كان ذلك من نسب أو رضاع{[723]} .


[720]:- المبسوط للسرخسي جـ 4 ص 198 وكشاف القناع جـ 5 ص 69 وأسهل المدارك جـ 2 ص 78 والفقه على المذاهب الخمسة لمحمد جواد مغنية ص 310 المحلى جـ 9 ص 521.
[721]:- أحكام القرآن للجصاص جـ 2 ص 124 وشرح فتح القدير جـ 3 ص 438 والمدونة جـ 5 ص 405 ونيل الاوطار جـ 6 ص 348 والنهاية للطوسي ص 461.
[722]:- كشاف القناع جـ 5 ص 71 -73 والمحلى جـ 9 ص 527 وحاشية القليوبي وعميرة على المنهاج جـ 3 ص 243.
[723]:- البدائع جـ 2 ص 263 والمدونة جـ 4 ص 283 والمجموع جـ 15 ص 383 وكشاف القناع جـ 5 ص 75.