بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

{ حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم } أي نكاح أمهاتكم ، فذكر الأمهات والمراد منه الأمهات والجدات { وبناتكم } ذكر البنات ، والمراد به البنات والحفيدات أي بنات الأولاد .

ثم قال تعالى : { وأخواتكم } يعني من النسب { وعماتكم وخالاتكم وَبَنَاتُ الأخ وَبَنَاتُ الأخت وأمهاتكم اللاتي أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مّنَ الرضاعة } . ثم قال تعالى : { وأمهات نِسَائِكُمْ } يعني أن نكاح أمهات نسائكم حرام عليكم ، سواء دخل بالابنة أو لم يدخل بها . هكذا روي عن ابن عباس وعن جماعة من الصحابة أنهم قالوا ذلك . ثم قال : { وَرَبَائِبُكُمُ } يعني حرام عليكم نكاح بنات نسائكم { اللاتي في حُجُورِكُمْ } يعني التي يربيها في حجره ، حرام عليه إذا دخل بأمها { مّن نِّسَائِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يعني : إن لم يكن دخل بأمها فهي حلال له أن يتزوجها ، وقد اتفقوا على أن كونها في الحجر ليس بشرط ، غير قول روي عن بعض المتقدمين ، وإنما ذكر الحجر لتعارفهم فيما بينهم ، وتسميتهم بذلك الاسم .

ثم قال تعالى : { وحلائل أَبْنَائِكُمُ } يعني حرام عليكم نساء أبنائكم { الذين مِنْ أصلابكم } يقال : إنما اشترط الذين من الأصلاب لزوال الاشتباه ، لأن القوم كانوا يتبنون في ذلك الوقت ويجعلون الابن المتبنى بمنزلة ابن الصلب في الميراث والحرمة . وتبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ، فتزوج زيد بن حارثة امرأة ثم طلقها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعيّره المشركون بذلك وقالوا : تزوج امرأة ابنه ، فنزل قوله تعالى { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أبا أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين وَكَانَ الله بِكُلِّ شيء عَلِيماً } [ الأحزاب : 40 ] وذكر في هذه الآية فقال : { وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم } لكي لا يظن أحد أن امرأة الابن المتبنى تحرم عليه .

ثم قال تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين } أي حرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين في النكاح في حالة واحدة ، ثم قال تعالى : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول : إلا ما قد مضى في الجاهلية . وروى هشام بن عبيد الله ، عن محمد بن الحسن أنه قال : كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكر في هذه الآية ، إلا اثنتين أحدهما نكاح امرأة الأب ، والثانية الجمع بين الأختين . ألا ترى أنه قال تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مّنَ النساء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ولم يذكر في سائر المحرمات إلا ما قد سلف . ويقال : { إلا ما قد سلف } ، يعني : دع ما قد مضى { إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً } لما كان في الجاهلية ، { رَّحِيماً } بما كان في الإسلام إن تاب من ذلك .