الآية 23 وقوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم } على آخره يحتمل وجهين : أي حرم عليكم الاستمتاع بأمهاتكم وبناتكم أخواتكم وما ذكر والجماع بهن ويحتمل حرمة النكاح أي حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم فإن كان هذا أراد فلا يحرم النكاح ولكن يحرم النكاح لما به يوصل إلى الاستمتاع بالنساء وإليه يقصد فدل الجمع بين الأختين في الاستمتاع في ملك اليمين ولا يحرم الجمع بينهما في العقد .
ثم الحرمة في الأمهات والبنات والأخوات ولم يذكرها{[5110]} في الجدات فهن محرمات وإن علون ولم يذكرها{[5111]} في بنات البنات فهم محرمات وإن سفلن فعندنا أن ذكر الحرمة في الأمهات والبنات ذكر في الجدات وإن علون في بنات البنات وإن سفلن لأنه ذكر الحرمة في العمات والخالات والعمات من ولد الجد والخالات من ولد الجدات فإنما ذكرت الأولاد والحرمة في الأخوات والإخوة ، فعلى ذلك الحرمة في الأمهات ذكر الحرمة في البنات وبنات البنات لما ذكرنا . أو يقال : إن بنات البنات وإن سفلن دخلن{[5112]} في ذكر الحرمة نصا وكذلك أم الأم وإن علت دخلت{[5113]} في الخطاب .
وقوله تعالى : { وأمهاتكم التي أرضعناكم وأخواتكم من الرضاعة } ذكر الأخوات ولم يذكر البنات قال : إنما يذكر { من الرضاعة } لأنه لا يمكن { من الرضاعة } البنات لذلك لم يذكر ( البنات ) {[5114]} وذلك اختلاف بيننا في لبن الفحل فعندنا لبن الفحل محرم وعند البشر لا يحرم لبن الفحل .
ذكر الله سبحانه وتعالى : الحرمة في النسب وبين بيان إحاطته وحقيقته وذكر الحرمة في الرضاع وبين بيان كفاية لا بيان إحاطة فأما إن ترك للاجتهاد والاستنباط من الذكور وقد أجمعوا جميعا أن البنات الإخوة والأخوات من الرضاعة ( كالذكور في أولادهم ) {[5115]} فعلى ذلك يجب أن يكون ذكر الحرمة في الأمهات من الرضاعة ذكر ) {[5116]} في بنتها أو ترك بيان ذلك للسنة .
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5117]} قال : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " ( البخاري 2645 ) وما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أنها ) {[5118]} قالت : ( جاء عمي من الر ضاعة فاستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال : إنه عمك فأذني له فقلت : يا رسول الله إنما ( أرضعتني المرأة ولم يرضعني ) {[5119]} الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه عمك فليلج عليك " ( البخاري 5239 ) فقالت عائشة رضي الله عنها : ( وذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب ) .
وعن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن رجل له امرأتان أو جارية وامرأة فأرضعت هذه جارية وهذه غلاما هل يصلح للغلام أن يتزوج الجارية ؟ فقال : ( لا اللقاح واحد ) .
وعمرة ( بنت عبد الرحمن ) {[5120]} عن عائشة رضي الله عنها انها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت رجلا يستأذن في بيت حفصة رضي الله عنها قالت عائشة رضي الله عنها ( فقلت : يا رسول الله هذا رجل يستأذن بيتك ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أراه فلانا ( إنه ) {[5121]} لعل حفصة من الرضاعة " ( البخاري 2646 ) فقالت عائشة رضي الله عنها ( يا رسول الله لو كان فلان حيا ( وهو عمها ) {[5122]} من الرضاعة ( أأدخله علي ) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم عن الرضاعة ) {[5123]} تحرم ما تحرم الولادة " ( البخاري 2646 ) .
وعن علي رضي الله عنه : ( لا تنكح من أرضعته امرأة أبيك ولا امرأة ابنك ) .
وعن عائشة رضي الله عنها : ( أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت : فأبيت ان آذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني بأن آذن له علي ) .
وحجة أخرى من النظر بأن الله تعالى حرم الابنة على أبيها وعلى جدها والابنة حدثت عن ماء الأب بعينه ولم تحدث عن ماء الجد ولكن الجد سبب ماء الأب الذي حدثت عنه الابنة . قال فالبن وإن كان حدوثه من الأم /86- أ/ فإن سبب كونه هو الأب فيجب أن تحرم المرأة التي أرضعتها امرأته عليه إذا كان سببا لذلك اللبن كما يحرم المرضع إذا كان سببا على الذي أرضعته .
ثم بقيت مسألتان : إحداهما في التقدير والأخرى في الحد أما في التقدير فعموم قوله سبحانه وتعالى { وأمهاتكم التي أرضعناكم وأخواتكم من الرضاعة } لم يخص قدرا دون قدر وروي عن علي وعبد الله ( رضي الله عنه أنه ){[5124]} قال : " الرضعة الواحدة تحرم " ( لا تحرم عند مسلم 2/1074 أحكام القرآن للجصاص 3/ 67 ) فإن قيل : روي عن عائشة رضي الله عنها ( أنها قالت : ( كان في ما أنزل ){[5125]} عشر رضعات ثم صرن إلى خمس فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ( وهن في ما يقرأ من القرآن ) قيل : ) {[5126]} لسنا نجد في القرآن آية الناسخ ( ولا آية المنسوخ ) {[5127]} ولا يجوز أن يقال من القرآن شيء فلا نترك ما نجده ثابتا في القرآن محفوظه برواية ما غلظت فيها .
وري عنها أنها قالت : ( يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم ) وروي عنها أيضا أنها قالت : ( لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان ) قيل{[5128]}ذلك لابن عمر رضي الله عنه فقال : ( حكم الله أولا وخيرا ( من حكمها وكلام نحو هذا ) {[5129]} .
وعن عمر بن دينار قال : سألت ابن عمر رضي الله عنه فذكر شيئا من الرضاع فقال : ( لا نعلم إلا أن الله حرم الأختين من الرضاعة ) قال فقلت : إن أمير المؤمنين ابن الزبير يقول : ( لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والغملاجتان لما لم يتحقق بالمصة والمصتين أن اللبن قد صار في جوف الصبي ووصل غليه لم يحرم به ) .
وأما المسألة في الحد فإن{[5130]} الرضاع في الكبر لا يحرم عندنا وما روي في خبر عائشة رضي الله عنها ( أنه صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا ؟ قالت : إنه أخي{[5131]} من الرضاعة ) فقال : " انظر من ترضعن فإنما ) {[5132]} الرضاعة من الجماعة " ( البخاري 2647 ) وما وري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5133]} قال : " الرضاع ما فتق الأمعاء " ( الترمذي 1152 ) إنما يكون في الصغر لأن أمعاء الصبي تكون ضيقة{[5134]} لا تحتمل الطعام لضيقها وأما فتقه بالبن ( فهو ){[5135]} على ما وصفه عز وجل : لبنا خالصا سائغا للشاربين ) ( النحل 22 ) فإذا كان غداؤه إنما يكون باللبن للمعنى الذي وصنا كانت كفاية مجاعته به وكان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الرضاعة من المجاعة " وكذلك ما روي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) {[5136]} " ما أنبت اللحم وأنشز العظم " ( أحمد 1/432 ) وفي الكبر لا ينبت الحم ولا ينشز العظم .
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الجرعة تحرم كما يحرم حولان كاملان " فإن ثبت هذا فهو الأصل في ذلك والمعتد عليه فإن عورض بما في خبر سالم ( بن حذيفة ) {[5137]} حين قال ( لسهلة بنة سهيل ابن عمرو ) {[5138]} " أرضعني سالما خمس رضعات تحرمني عليه " ( أحمد 6/ 201 ) ( فإنه يقال ) {[5139]} هذا يحتمل أن يكون ذلك لسالم خاصة دون غيره من الناس فإذا كان كذلك لا يقاس عليه غيره ويحتمل أن يكون منسوخا بما روينا من الأخبار المرفوعة والموقوفة بإيجاب الحرمة بالقليل منه والكثير .
وقوله تعالى وأمهات نسائكم وربابيكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن } الآية اجتمع أهل العلم في القريبة على أنها لا تحرم على الرجل كان قد تزوج أمها وطلقها قبل الدخول أو مات وإنما تحرم عليه إذا دخل بها .
واختلف في أم المرأة إذا لم يدخل بالابنة حتى بانت منه قال أصحابنا رحمهم الله : هي حرام عليه كان دخل بالأم أم لم يدخل وقال آخرون : بشرط الدخول في آخر القصة راجع إل ى الريبة والأم جميعا فما لم يدخل بواحدة منهما حل له أن{[5140]} يتزوج بالأخرى إذ فارقها وهو القياس الظاهر في الكتاب في أمر الشرط والثنيا أن يكون الشرط فيهما جميعا لأنه قال الله تعالى : { وأمهات نسائكم وربابيكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن } ذكر أمهات النساء وربائب النساء ثم شرط الدخول بهن فيجب أن يكون الشرط لاح قا بهما جميعا . وكلذك روي عن علي رضي الله عنه ( أنه ) {[5141]} قال : ( هي بمنزلة الربيبة ) وعن جابر ( أنه ){[5142]} قال : ( ينكح أمها لإن شاء ) وعن ابن مسعود رضي الله نه أنه أفتى في امرأة تزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت قال { لا بأس أن يتزوج أمها ) ف لما أتى المدينة رجع فأتاهم فنهاهم عن ذلك فقيل : إنها ولدت أولادا فقال : ( لو ولدت ) إلى هذا يذهب{[5143]} أولئك وهو الظاهر من الآية .
واحتج بعض أصحابنا في ذلك أن الثنيا الملحق في آخر الكلام ربما يلحق الكل على ما تقدم من الكلام وربما يقع على ما يليه فلما كان غير ملحق على من المذكور وقع على ما يليه فإن قيل : يلحق على ما تقدم من الذكر ما لا يحتمل ( فهو ) {[5144]} ليس على ما لا يحتمل ألا ترى أن الله تعالى قال : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } إلى قوله : { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } ( المائدة 3 ) ثم ألحق الكل ولا أوقع على ما يليه خاصة ولكنه ألحق على ما احتمل عليه ؟ فعلى ذلك في هذا لم يلحق الكل لأنه لا يحتمل وأوقع على الأم والريبة لأنه يحتمل .
واحتج أصحابنا رحمهم الله أيضا أن الحرمة ثبتت لقوله عز وجل : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } إلى قوله تعالى : وأمهاتكم التي أرضعناكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم } فلا تستحل بالشك وفي الريبة لم تثبت إلا بالشرط فلا تحرم بالشك .
وقيل أيضا : عن الدخول لو كان شرطا في الأم والريبة جميعا لأكتفي بذكر النساء : الأمهات والربائب فنقول : { وأمهات نسائكم } من ربابيبكم { التي دخلتم بهن } ولم يحتج إلى أن يذكر { وربابيبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن } على ما اكتفى بذكر الحرمة في الأنساب والرضاع في الأصول عن الشعوب فلما لم يكتف بذلك دل أن الربائب مخصوصات بالشرط دون الأمهات ومما يبين ذلك أن الريبة لو لم تذكر لم يجز أن يبقى من الكلام { وأمهات نسائكم } اللاتي دخلتم بهن ولو لم يذكر الأمهات فبقي من الكلام { وربابيبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن } كان كلاما تاما . فدل ذلك على أن قوله تعالى : { من نسائكم } غنما هو في الربيائب دون الأمهات .
واصله ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي ما رجل تزوج امرأة فطل قها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا بأس بأن يتزوج ابنتها " و " أي ما رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها او ماتت عنده فلا يحل له أن يتزوج أمها " ( البيهقي في الكبرى 7/ 160 ) .
وعن عباس وعمران بن حصين في { وأمهات نسائكم } ( أنهما ) {[5145]} قالا : ( هي مبهمة ) .
وقال أكثر أهل العلم : إذا تزوج الرجل امرأة ودخل بها لم يجز له ان يتزوج ابنتها وإن لم تكن ربيبته وفي بيته وحجره وهي في ذلك بمنزلتها لو كانت في حجرتها يربيها وأجمعوا جميعا بين المرأة وأمها وابنتها في الجماع في ( ملك ){[5146]} اليمين حرام وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال : ( ما أحب ذلك ) فإن قال قائل : إن الخطاب كما ذكرت ( الآية ) {[5147]} يدل على شرط في الدخول بالأمهات إنما هو سبب الربائب فما تنكره أن يكون حكم الأمهات حكم الربائب كما كان حكم حلائل الأبناء حكم نساء الآباء قيل : لا يجوز أن تقاس المنصوصات بعضها على بعض وإنما يقاس ما لا نص فيه على المنصوص فعلى ذلك الأول والله أعلم .
ثم يجب أن ينظر أي حكمة أوجبت تحريم الجمع بين المحارم بين محا رم الرجال ومحارم النساء ؟ وروي عن انس ( أنه ) {[5148]} قال : ( اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ) {[5149]} يكرهون الجمع بين القرائب في النكاح وقالوا ( لأنه يورث الضغائن ) او كلاهما{[5150]} نحو هذا فقيل له : ( يا أبا حمزة من منهم ؟ فقال : أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما ) وروي مرفوعا : / 86- ب/ أنه ( قال ) {[5151]}ك " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها " ( مسلم 1408/37 ) وروي في بعضها أنه يوجب القطيعة وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كره الجمع بين ابنتي ( عمين ) {[5152]} وقال : ( لا أحرم ولكن أكره لأنه يوجب القطيعة ) فلم يحرم لأن صلة القرابة في ما بينهما ليست بمفترضة والصلة بين المحارم مقترضة فالجمع بينهما يحمل على القطيعة فحرم .
وعلى ذلك في نساء الآباء وحلائل الأبناء إذا فارق واحد امرأته فلعلة يندم على ذلك فيريد العود إليها فإذا تزوجها أبوه أو ابنه أورث ذلك في ما بينهما الضغائن والقطيعة لذلك حرم والله أعلم وكذلك هذا المعنى في الابنة إذا طلقها ( زوجها ){[5153]} ثم تزوج بأمها حملها على الضغينة في ما بينهما . وأما إذا تزوج الأم ثم فارقها قبل أن يدخل بها حل أن يتزوج بابنتها لأن الأم تؤثر ابنتها على نفسها في المتعارف فلا يحمل ذلك على القطيعة والابنة لا تؤثر أمها على نفسها بل تؤثر نفسها على أمها لذلك{[5154]} كان ما ذكر .
وأما إذا دخل بالأم لم يحل له ان ينكح الابنة{[5155]} لأنه يذكر استماع هذه فيكون جامعا بينهما في الاستماع لذلك حرم .
قم اختلف في الجماع والدخول بها إذا كان من غير رشد قال أصحابنا رحمهم الله : يحرم الحرام{[5156]} و يمنع نكاح الربيبة كما يمنع الحرام{[5157]} وقال قوم : لا يحرم ولا يمنع نكاح الربيبة واستدلوا في ذلك بقول الله تعالى :
{ وربابيكم التي في حجوركم من نسائكم } لان الله تعالى حرم ربائب النساء إذا دخل بالأمهات والمزنى بها ليست بزوجة للزني فلا تحرم ابنتها لكنه لا حجة لهم في ذلك وذلك ان الله تعالى ( عز وجل ) {[5158]} ذكر الدخول بهن ولم يذكر النكاح ولا خص الدخول في النكاح وهو على كل ( حال ) {[5159]} دخول رشدا كان او سفاحا والسفاح أحق في الحرمة من الحلال إذ حكمه أغلظ وأشد فعلى ذلك في إيجاب الحرمة منم الحلال يجيء أن يكون أشد وأغلظ وهو ولو كان ذكر الدخول ههنا في النكاح ( لم يكن فيه ما يمنع وجوب الحرمة إذا كان في النكاح ){[5160]} ألا ترى إلى قول الله تعالى : { وربايبكم التي في حجوركم } ){[5161]} خصوصا فيها دون ما أشبهها . كذلك يجوز ألا يجعل قوله : { نسائكم التي دخلتم بهن } خصوصا الدخول بالزوجات دون ما أشبههن وهن الموطئات مع ما ذكرنا أن ليس في الآية ذكر نسائنا لذلك لم يكن فيه دليل الحظر في غيره .
وبعد ( فإنا ) {[5162]} قد ذكرنا في ما تقدم ان ليس في حظر شيء في حال حظره في غير تلك الحال والحرمة من ذلك والاستمتاع انه إذا استمتع بأحدهما لم يكن له الاستمتاع بأحدهما لم يكن له الاستمتاع بالأخرى ألا ترى على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها " ؟ ابن حجر في فتح الباري 9/ 195 رقمه 5105 ) ومعلوم انه لا ينظر إلى فرجيها{[5163]} في وقت واحد وإنما ينظر في وقتين فهو والله أعلم إذا نظر إلى فرج إحداهما ثم نظر إلى فرج أخرى يذكر نظره في فرج هذه فهو كالقاضي وطره فيهما كذلك في الزنى فهو في النكاح والله أعلم .
على أنهم أجمعوا أن من وطئ أمة له لم يكن له أن يتزوج ابنتها فدل أن الدخول بهما في النكاح وفي غير النكاح سواء وأنه محرم وما أجمعوا عليه أيضا أنه إذا وطئ امرأة في النكاح ( فاسدة في ) {[5164]} السبهة ح رمت ابنتها عليه وهو وطء حرام فدل هذا على أن التحريم إنما يكون بالاستماع بها لا غير وروي أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " " من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا ابنتها " ( ابن أبي شيبه 4/ 165 ) وعن عمران بن حصين في رجل زنى بأم امرأته ( أنه ) {[5165]} قال : )حرمت عليه امرأته ) وعن عبد الله ( أنه ) {[5166]} قال : " لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها " ( الدرقطاني 3640 ) إلى هذه الأخبار ذهب أصحابنا رحمهم الله تعالى .
وقوله تعالى : { وأمهات نسائكم وربابيكم } الآية : الأصل أن الله سبحانه وتعالى بين المحرمات في الأنساب بينات الإبلاغ وفي غير الأنساب بيان الكفاية إذ بين في الأنساب الحرمة في الطرفين : في اللواتي علون وسفلن نحو الأمهات والبنات ثم في اللواتي يتصلن بالآباء والأمهات نحو العمات والخالات ثم في اللواتي يشركن الطرفين بالاسم كالأخوات وذكر في الرضاع من الأنفس أحد الطرفين وفي الشعوب ما يشركن الطرفين على الاكتفاء بذكر طرف من الأنفس عن الطرف الآخر وبذكر المشركات من الشعوب على الاكتفاء به عن ذكر المنفردات فعلى ذلك أمر الأنفس في الخطاب بالحرمات . فلما ذكر في ذلك الأمهات والبنات جميعا على ما ذكر في الواحد في ما كان المذكور في نوعه بحق الكفاية من البيان لا بحق الإبلاغ دل أن ذلك لما أريد به التفريق في الأمرين .
وآية ذلك خبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل جماعة الصحابة مع ما كان في ذلك إمكان شبهة فحقه غذ لو اقتصر على ابتداء الآية الحرمة بالعقد لا يزال ذلك بالشك .
على أ ن وجه الاعتبار الاستواء في الحرمة قبل الدخول لتكون حرمة الابنة على الأم في زوجها حرمة الأم عليها على ما عليها أمر الابن من الأب في زوجته لكن ( هناك ) {[5167]} فرق من حيث إساءة الرجل في الاختبار إذا اختار الأم على الابنة إن لم علم أو الغفلة إن لم يكن علم . وحق مثله الزجر عنه والتوبة نع مثله فجعل له مفارقتها لابنتها . وقد يعلم بذلك قبل الدخول على أن المدخول مذكور{[5168]} له ما كان بها حال الاستماع بها .
وقد حرم الجمع ذلك الجمع حرمة أبدية ما ينبغي أن يجعل بما يذكر وسبيل الحظر بالقلب والله أعلم .
وليس أمر الابن والأب هذا ؛ إذ إليهما في الابتداء الاختيار والإيثار وكل يؤثر الذي هو لغيره وفي النساء إنما يجب بعد الخطاب وليس منهن عرض لذلك لم يعتبر حالهن على أن الأمهات في العرف يؤثرون{[5169]} لذات بناتهن على لذاتهن فلا تلحقهن في الفراق لأجل البنات غضاضة وتلحق البنات{[5170]} فلذلك فرق .
وأما بعد الدخول فهو موجب الحرمة لا من حيث الإيثار إذ من جهة حرتم أو حلال يوجب ذلك . فلذلك اختلف الأمران قال بشر : دل تخصيص ذكر حلائل الأبناء على رفع حرمة الرضاع أو على ألا يكون الابن إلا من الصلب ونحن نقول : لا دلالة فيه على ما ذكرنا ولو{[5171]} استدل به على الكون كان أقرب إذ خص ذكر الأصلاب ولو لم يكن الابن إلا من الصلب لكان القول بحلائل أبنائكم كافيا عن ذكر الأصلاب مع ما فيه وجوب الإلحاق لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) {[5172]} " يحرم من الرضاعة ( ما يحرم من الولادة ) {[5173]} " ( البخاري 2646 ) ومعلوم أن الحرمة من الولادة بما كان سببا له فذلك يصير مرضعا لما كانت هي مرضعة وإن لم يكن منه حقيقة الإرضاع لما كان هو سبب لما فيه درور اللبن وأيد ذلك أمر حلائل أبناء الأبناء بل حلائل أبناء البنات وإن لم كونوا للصلب للاتصال به بالنسب{[5174]} على البعد عما ذكرنا أحق والله اعلم مع ما يجوز أن يقال : صار الرضاع ولادا في الحكم بالخبر للصلب بالحكم نحو قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم ببعض } ( الأنفال 75 ) .
ثم يع تبر فيهم الولاء في الحجاب لما جاء أن الولاء لحمة كلحمة النسب ويصير ذا{[5175]} نسب ورحم بالحكم بما ذكر من الخبر فمثله الأول مع ما قد قيل : إن فائدة ذكر الصلب ألا تحقق حرمة حلائل أبناء النبي بالأصلاب ولذلك قال تعالى ، والله أعلم : { فلما قضى زيد منها وضرا زوجتكما لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أدعيائهم } ( الأحزاب 37 ) وقال{[5176]} صلى الله عليه وسلم { حرمت عليكم أمهاتكم } على قوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين } إذ يحتمل الجمع في العقد /87-أ/ والجمع في الملك والجمع في الاستمتاع ويحتمل الجمع في حبس الاستمتاع ويحتمل ألا يرجع المراد إلى معنى من ذلك ولكن يرجع إلى الكل ثم كان الاستمتاع بهما مرة واحدة غير ممكن وإن كانت فيه حرمة فهو لمعنى هنالك بوجد في حال الجمع لا أن الخطاب يأخذه إذ هو غير ممكن وجوده ولا يتهيأ احتماله ليقصد بالحطاب نحوه ولكن من خاطب يجوز ان يخاطب يجعل فيه تحريمه وإن لم ينص عليه في الخطاب .
ثم الملك المطلق والعقد المطلق قد يوجدان غير محرمين نحو عقد{[5177]} به يملك ملك يمين فثبت أن المقصود لو كان ملكا أو عقدا ملك النكاح وقد أجمع على دخول هذا في حق الخطاب إذ قد أجمع على الجمع {[5178]}بين الأختين في النكاح{[5179]} لا يصح واجمعوا أنه لو تزوج بعقدين كان{[5180]} نكاح الثانية فاسدا{[5181]} من غير أن كان جمع في العقد بل في الملك لو ثبت العقد في الثانية وإذا أثبت الحرمة بهذا العقد والملك لم يكن لعقد ملك اليمين ولا يملكه ولا للعقد غذ كل ذلك على الانفراد لا يعمل هاذ العمل فيجب ان يكون المعنى من ذلك الاستمتاع والجمع في الفعل به غير ممكن فثبت أنه لمعنى قد وصف الجمع بالاستمتاع وذلك على وجوه :
أحدهما : عقد الاستمتاع وهو عقد النكاح غذ عقد ملك اليمين قد يوجب حق الاستمتاع .
والثاني{[5182]} : ملك النكاح غذ هو لا يخلو من ( أن ) {[5183]} يوجب ذلك الحق ثم كان نفس الاستمتاع بحقه أحق من الأسباب الموجبة له والعدة مما يوجب الاستمتاع نفسه أحق أن تكون شرطا للمنع بل هو أولى إذ يمنع الاستمتاع بملك اليمين ولا يمنع الحل ولا الملك ولا السبب فإذا وجب المنع في النكاح لما هو سبب له فهو لان يجب بحقيقته أحق . وإن شئت قلت : إن لم يتفرد الخلق لنوع من السبب دون أن يشاركه غيره من الأسباب لزم أن تكون حقيقة السبب مجهولة{[5184]} لا تطلق ما قد يثبت الحرمة غلا بيقين والله أعلم .
والثالث{[5185]} : ان عقد النكاح قد حرم عليه وعليها لكن الذي حرم عليه في محارمها وعليها في الكل ثم معلوم أن يملك الزوج فيها ما به يحل لغيره من الفراق لحضرة فعله فلما دخل عجز عن ذلك بما أحدث له فيها الاستمتاع بها حقا بعد الفراق أبقاها على ما سبق من الوصل بلا فراق فعلى ذلك ما فيه من الحق أن ذلك واجب بما فيه الشرك على أنها في بقية ملك له بنكاح عملت فيها بقية ملكه عمل صلة ملكه فمثله فيه . د
وقد ألحق بعض من أنكر حرمة الجمع في العدة بالوطء حرمة ما ترك فيها{[5186]} من اللبن على احتمال درور دونه ودون الولد بما هو كان سببا{[5187]} في ذلك كانت حرمة العدة أحق بذلك .
والأصل أن الحرمة قد ثبتت بالنكاح فلما وقعت الفرقة أشكل زوالها فلا يزال بالشك مع ما في الغزالة تعليق الحرمة بالحل أو بالملك خاصة وقد بينا وجوبها لتلك الوجوه .
ثم الأصل في النكاح أن المقصود منه الاستمتاع وبحله يحل وبحرمته يحرم فيجب أن يكون هو الأصل للتحريم والتحليل وعلى هذا يحرم كثيرا من الإماء في حق الاستمتاع بهن وإن لم يحرم فيهن الملك ويحرم بالاستمتاع في ذلك وإن كان الملك لا يوجب الحرمة فإذا ثبت ان الاستمتاع أحق بالتحريم{[5188]} والعدة حق الاستمتاع أوجبها فيجب ان تكون هي محرمة لذلك لم يجز نكاح الأخت فيها مع ما كانت موجبة في ملك اليمين قم كان الاستمتاع بملك اليمين يحرم الاستمتاع بالأخت فالعدة التي هي مجعولة لتأكيد الحرمات و قطع المجعول للحل خاصة أحق ان تمنع والله أعلم .
وعلى ما بيننا إذا ثبت ان الاستمتاع هو الأصل في التحريم سؤاله وقع من وجه يحل أولا ؟ فيهن{[5189]} الحرمة حرمة الأنفس لا حرمة الجمع إذ لا أين يقع جمع . ؟
في الأصل ( في ) {[5190]} ذلك أن تعلق الحرمات من الأعيان أظهر منه بالمحللة منها ثم كان الاستمتاع بالأعيان المحللة توجب حرمة الأمهات والبنات فهو بالمحرم أحق مع ما لا يخلو أن تكون الحرمة لا تجب إلا في ما يحل فيجب في النكاح الفاسد ولا في وطء الابن إذ{[5191]} الملك فيهما أيضا زائل لا {[5192]} النسب فيجب ألا تجب الحرمة في مالا يكون منه نسب في وقت لا يتمكن أو بإيجاب الحقوق فيجب ألا تجب في مماسته الأمة دون الفرج او الاستمتاع خاصة فيجب استواء حال السفاح والنكاح .
وقوله تعالى : { التي دخلتم بهن } فال بعضهم : هو كناية عن الجماع لكنه عندنا الدخول بها هو أخذه في يدها إدخالها في موضع الخلوة والجماع لا نفس الجماع كما يقال فلان دخل بفلان موضع كذا ، لا يراد به عين الدخول به المعروف وهو اخذ اليد والدخول فيه ، لذلك فلنا بأنه إذا أدخلنا{[5193]} في موضع وخلا بها وجب كمال امهر بظاهر الآية ووجبت{[5194]} الحرمة والله أعلم .
وقوله تعالى { والتي دخلتم بهن } كنى له عن الجماع من حيث لا يكون الجماع إلا بالدخول بها مكانا يسمو{[5195]} بها وإلا فحقيقة الدخول بآخر ليس بجماع ولا يصلح القول به مطلقا دون ذكر المكان غلا في المرأة بما يعلم أنه{[5196]} لماذا مكانا لذلك إذ هو الظاهر .
وهذا يكون بأخذ يدها أو شيء منها هو الداخل لا هي ووجوده لا يكون إلا للشهوة فيكون هو المذكور للحرمة فإذا لم يظهر حقيقة المراد يجب الاحتياط في إيجاب الحرمة من كل وجه أو تحقيق هذا إذ هو اظهر له وله أدلة ثلاثة :
أحدهما : ما روي : " معلون من نظر على فرج امرأة وابنتها " ( ابن حجر في فتح الباري 9/ 195 رقمه 5105 ) إنه اوجب اللعن بالنظر فلولا أن النظر الأول قد حرم الثاني لم يلحق به اللعن ثم النظر دون اللمس في العبادات والأحكام فالمراهق هو إيجاب الحرمة .
والثاني : ما بينا أم علة الحرمة الاستمتاع ومعلوم أن معناه في القبلة والمباشرة أعلى منه في السبب الذي به يقضي به الاستمتاع وهو النكاح وقد أوجب له فالقبلة أحق أن يوجب لها وذلك كما أوجب بسبب الحدث وهو النوم حكمه ثم لا يجب إلا من حال . وقد يجب لنفس الحدث على كل حال فمثله سبب الاستمتاع من حقيقته والله أعلم .
والثالث : أن كل أنواع الاستمتاع في الحرمة والحل متصل بالجماع ولخاصة في حقوق الأملاك فعلى ذلك في فسخ الأملاك وتحريمها على أنه يبعد أن يكون المرء يستمتع بالمرأة عامل ثم يستمتع بها ولده{[5197]} وكذلك بابنتها دون الفرج أو أن يكون من لا يقدر على الإيلاج لعنه أوجب ترتفع عنه الحرمة أبدا فيشتري أما وابنة ويستمتع بهما أبدا وذلك بعيد فتجب الحرمة من الوجه الذي ذكرت .
وقوله تعالى : { وحلائل أبنائك الذين من أصلابكم } يحتمل ذكر{[5198]} الصلب وجوها : يحتمل أن يكون ذكر الصلب ليعلم أن الحرمة في حليلة الولد كهي{[5199]} في ولد الصلب وكذلك الحرمة في حليلة ابن الرضاع كهي في حليلة ابن الصلب على ما كانت في محارم الرضاع وإنه لم يذكر ( محارم الرضاع ) {[5200]} نحو أن ذكر أمهات الرضاع وأخواته ولم يذكر غيرها ثم دخل ما دون ذلك في الحرمة فعلى وذلك هذا .
وقال بشر : أن تخصيص الأصلاب على نسخ حرمة حليلة الابن إذ لا يكون من الرضاع ابن قلنا : لو لم يكن من الرضاع ابن لم يكن لذكر الصلب للابن معنى ولا فائدة دل أنه من الرضاع ابن على ما يكون من النسب وان الحرمة من الرضاع كهي من النسب وإن ( كان الأولاد ) {[5201]} في الحقوق ( مختلفين نحو ) {[5202]} العتاق بعتق بعض على بعض يوجب لبعض في أموال النفقة وحقوق بمثله لا توجب في محارم الرضاع/ 87- ب/ ذلك والله أعلم أن الرضاع انتفاع والنسب حدوث نفس{[5203]} بعضهم من بعض . فإذا كان لذلك لم يوجب الرضاع إلا حرمة خاصة وهو الاستمتاع .
وأنا النسب فهو كون الولد منه وحدوث نفسه منه فاوجب مع ذلك حقوقا ولأن في إقرار بعضهم ( أن ) {[5204]} في يد بعض مماليك وعبيدا قهرا وغلبة لم يوجب ذلك ( في ما ) {[5205]} لم يحصل لبعضهم قهر بعض لذلك الجواب ما ذكر .
وقيل : إنه ذكر أبناء الأصلاب وذلك لأن{[5206]} النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة ابن زيد بن حارثة بعدما طلقها وقد كان تبناه فعابة المنافقون على ذلك وقالوا : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ابنه فأنزل الله تعالى : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } .
وقوله تعالى : { وغن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } يحتمل قوله تعالى : { وإن تجمعوا بين الأختين } وجوها : يحتمل الجمع بينهما في العقد وقد أجمعوا أنه لم يجمع بينهما ولكنه تزوج إحداهما ثم تزوج أخرى لم يحل له نكاح الأخرى دل أنه لم يرد به الجمع في العقد .
ويحتمل الجمع في الملك وقد أجمعوا أيضا ان له الجمع بينهما في ملك اليمين فدل أنه إنما أراد الجمع بينهما في الاستمتاع وإذا استمتع بإحداهما{[5207]} بنكاح ثم فارقها لم يحل له أن يتزوج أختها والأولى في عدة منه من طلاق بائن لأن الاستمتاع هو الذي حبسها عن الأزواج فكان كالجمع بينهما في الاستمتاع ولان المعنى الذي به حرم الجمع في ملك النكاح ذلك إذا كانت في عدة منه موجود وهو خوف القطيعة في ما بينهما والله أعلم ولأن أكثر أحكام الزوجات قائم بينهما نحو الإسكان والإنفاق عليها وإلحاق الولد وغير ذلك من الحقوق .
وعن علي رضي الله عنه أنه سئل عن رجل طلق امرأته فلم تنقض عدتها حتى تزوج أختها ؟ ففرق علي ما بينهما وجعل الصداق بما استحل من فرجها وقال : ( تكمل الأخرى عدتها وهو خاطب ) .
وعن زيد بن ثابت أنه سئل عن رجل تحته أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا أيتزوج رابعة ؟ فقال : ( لا حتى تنقضي عدة التي طلق ) وعن عائشة رضي الله عنها مثله .
واختلف في الجمع بين الأختين من ملك اليمين عن عمر رضي الله عنه انه سئل عن المرأة وأختها من ملك اليمين هل توطأ بعد الأخرى ؟ ( ما أحب أن أجيزها جميعا ) ، ونهى عنه وعن ابن مسعود رضي الله نعه إنه حنث في الأختين من ملك اليمين فقال : ( حمل أحدكم ( حنث ){[5208]} ملك اليمين ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه ) {[5209]} قال : ( يحرم من جميع الإماء ما يحرم من جميع الحرائر إلا العدد ) وعن ابن عمر رضي الله عنه انه سئل عن رجل له أمتان أختان وقع على إحداهما أيقع على الأخرى ؟ قال : ( لا ما دامت في ملكه ) .
وأجمعوا أيضا على أنه إن تزوج بامرأة فاشترى أختها لم يحل له أن يطأها إلى هذا ذهب أصحابنا رحمهم الله تعالى ثم إذ طلق امرأته وانقضت عدتها ، أو ماتت ( فإنه يحل ){[5210]} به ان يتزوج أختها ولم يحل له ان يتزوج بأمها وذلك والله أعلم بأن الحرمة في الأخت في نفسها وليس في ولدها والحرمة في الأم والابنة ( نفسهما وهي في ولدهما ) {[5211]} .
فإذا كانت الحرمة في الأخت من وجه وفي الأم من وجهين ففي كانت الحرمة من وجه كانت الحرمة الجمع لا حرمة التأبيد ، وفي ما كانت من وجهين ( كانت ) {[5212]} حرمة جمع وحرمة تأبيد لأنها بادت إلى أولادها وفي الأخت لم تبد لذلك اختلفا .
وقوله تعالى : { إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما } يحتمل ( قوله ){[5213]} : { إلا ما قد سلف } قبل التحريم في الجاهلية . فإنهم إذا انتهوا عن ذلك في الإسلام يغفر الله لهم ويحتمل قوله : { إلا ما قد سلف } ( قوله ) {[5214]} : { إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة } ( النساء 22 ) كان في ذلك الوقت فاحشة ويحتمل { كان فاحشة } أي صارفا فاحشة في الإسلام .