الخالة : أخت الأم ، وألفها منقلبة عن واو ، دليل ذلك قولهم : أخوال في جمع الخال ، ورجل مخول كريم الأخوال .
الربيبة : بنت زوج الرجل من غيره .
الحَجر بفتح الحاء وكسرها : مقدّم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حال اللبس ، ثم استعملت اللفظة في السير والحفظ ، لأن اللابس إنما يحفظ طفلاً ، وما أشبهه في ذلك الموضع من الثوب ، وجمعه حجور .
الحليلة : الزوجة ، والحليل الزوج قال :
أغشى فتاة الحي عند حليلها *** وإذا غزا في الجيش لا أغشاها
سميت حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل ، فهي فعيلة بمعنى فاعلة .
وذهب الزجاج وغيره إلى أنها من لفظ الحلال ، فهي حليلة بمعنى محللة .
وقيل : كل واحد منهما يحل إزار صاحبه .
الصلب : الظهر ، وصلب صلابة قوي واشتدّ .
وذكر الفراء في كتاب لغات القرآن له : أن الصلب وهو الظهر ، على وزن قفل هو لغة أهل الحجاز ويقول فيه تميم وأسد : الصلب بفتح الصاد واللام .
وصلب مثل العنان المؤدم *** قال وأنشدني بعض بني أسد
إذا أقوم أتشكي صلبي *** { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } لما تقدم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه وليست أمه ، كان تحريم أمه أولى بالتحريم .
وليس هذا من المجمل ، بل هذا مما حذف منه المضاف الدلالة المعنى عليه .
لأنه إذا قيل : حرم عليك الخمر ، إنما يفهم منه شربها .
وحرمت عليك الميتة أي : أكلها .
وهذا من هذا القبيل ، فالمعنى : نكاح أمهاتكم .
ولأنه قد تقدم ما يدل عليه وهو قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } .
وقال محمد بن عمر الرازي : فيها عندي بحث من وجوه : أحدها : أنَّ بناء الفعل للمفعول لا تصريح فيه بأن المحرّم هو الله .
وثانيها : أنّ حرمت لا يدل على التأبيد ، إذ يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت .
وثالثها : أنّ عليكم خطاب مشافهة ، فيختصّ بالحاضرين .
ورابعها : أنّ حرمت ماض ، فلا يتناول الحال والمستقبل .
وخامسها : أنه يقتضي أنه يحرم على كل أحد جميع أمهاتهم .
وسادسها : أنَّ حرمت يشعر ظاهره بسبق الحل ، إذ لو كان حراماً لما قيل : حرمت .
وثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب انتهى ملخصاً .
وهذه البحوث التي ذكرها لا تختص بهذا الموضع ولا طائل فيها ، إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به ، ومعلوم أنّ المحرّم هو الله تعالى .
ألا ترى إلى آخر الآية وهو قوله : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً } وقال بعد : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } على قراءة من بناه للفاعل .
ومتى جاء التحريم من الله فلا يفهم منه إلا التأبيد ، فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها كقوله : { فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد }
وأما أنه صيغة ماض فيخصه فالأفعال التي جاءت يستفاد منها الأحكام الشرعية ، وإن كانت بصيغة الماضي فإنها لا تخصه ، فإنها نظير أقسمت لأضربن زيداً لا يراد بها أنه صدر منه إقسام في زمان ماض .
فإن كان الحكم ثابتاً قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثابت ، وإن لم كن ثابتاً ففائدته إنشاء ذلك الحكم وتجديده .
وأمّا أن الظاهر أنه يحرم على كلّ أحد جميع أمهاتهم فليس بظاهر ، ولا مفهوم من اللفظ .
لأنّ عليكم أمهاتكم عام يقابله عام ، ومدلول العموم أن تقابل كل واحد بكلّ واحد واحد .
أما أن يأخذ ذلك على طريق الجمعية فلا ، لأنها ليست دلالة العام .
فإنما المفهوم : حرم على كل واحد واحد منكم كلّ واحدة ، واحدة من أم نفسه .
وعلى هذا أمّه والأمّ المحرّمة شرعاً هي كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك ، أو من جهة أمك .
ولفظ الأم حقيقة في التي ولدتك نفسه .
ودلالة لفظ الأم على الجدّة إن كان بالتواطىء أو بالاشتراك ، وجاز حمله على المشتركين ، كان حقيقة ، وتناولها النص .
وإن كان بالمجاز وجاز حمله على الحقيقة والمجاز ، فكذلك وإلا فيستفاد تحريم الجدّات من الإجماع أو من نصّ آخر .
وحرمة الأمهات والبنات كانت من زمان آدم عليه السلام إلى زماننا هذا ، وذكروا أنّ سبب هذا التحريم : أنّ الوطء إذلال وامتهان ، فصينت الأمهات عنه ، إذ إنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام .
والبنت المحرّمة كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور ، وبنت البنت هل تسمى بنتاً حقيقة ، أو مجازاً الكلام فيها كالكلام في الجدة ، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة تمجس ، ذكر ذلك : النضر بن شميل في كتاب المثالب .
{ وأخواتكم } الأخت المحرمة كل من جمعك وإياها صلب أو بطن .
{ وعماتكم وخالاتكم } العمة : أخت الأب ، والخالة : أخت الأم .
وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن .
وتحرم عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها ، وعمة العمة .
وأم خالة العمة فإن كانت العمة أخت أب لأم ، أو لأب وأم ، فلا تحل خالة العمة لأنها أخت الجدة .
وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط ، فخالتها أجنبية من بني أخيها تحلّ للرجال ، ويجمع بينها وبين النساء .
وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة أخت أم لأب فلا تحل عمة الخالة ، لأنها أخت جد .
وإن كانت الخالة أخت أم لأم فقط فعمتها أجنبية من بني أختها .
{ وبنات الأخ وبنات الأخت } تحرم بناتهما وإن سفلن .
وأفرد الأخ والأخت ولم يأت جمعاً ، لأنه أضيف إليه الجمع ، فكان لفظ الإفراد أخف ، وأريد به الجنس المنتظم في الدلالة الواحدة وغيره .
فهؤلاء سبع من النسب تحريمهن مؤبد .
وأما اللواتي صرن محرمات بسبب طارىء فذكرهن في القرآن سبعاً وهن في قوله تعالى :
{ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وسمى المرضعات أمهات لأجل الحرمة ، كما سمى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين .
ولما سمى المرضعة أماً والمرضعة مع الراضع أختاً ، نبّه بذلك على إجراء الرضاع مجرى النسب .
وذلك لأنه حرم بسبب النسب سبع : اثنتان هما المنتسبتان بطريق الولادة وهما : الأم والبنت .
وخمس بطريق الأخوة وهن : الأخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت .
ولما ذكر الرضاع ذكر من كل قسم من هذين القسمين صورة تنبيهاً على الباقي ، فذكر من قسم قرابة الأولاد الأمهات ، ومن قسم قرابة الإخوة والأخوات ، ونبه بهذين المثالين على أنّ الحال في باب الرضاع كالحال في باب النسب .
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أكد هذا بصريح قوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فصار صريح الحديث مطابقاً لما أشارت إليه الآية .
فزوج المرضعة أبوه ، وأبواه جداه ، وأخته عمته .
وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه ، وأم المرضعة جدته ، وأختها خالته .
وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخوانه لأبيه وأمه .
وأما ولدها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه .
وقالوا : تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع .
لأن المعنى في النسب وطؤه أمها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع .
والثانية : لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب ، ويجوز في الرضاع .
لأن المانع في النسب وطء الأب إياها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع ، وظاهر الكلام إطلاق الرضاع .
ولم تتعرض الآية إلى سن الراضع ، ولا عدد الرضعات .
ولا للبن الفحل ، ولا لإرضاع الرجل لبن نفسه للصبي ، أو إيجاره به ، أو تسعيطه بحيث يصل إلى الجوف .
وفي هذا كله خلاف مذكور في كتب الفقه .
وقرأ الجمهور : اللاتي أرضعنكم .
وقرأ عبد الله : اللاي بالياء .
وقرأ أبو حيوة : من الرضاعة بكسر الراء .
{ وأمهات نسائكم } الجمهور على أنها على العموم .
فسواء عقد عليها ولم يدخل ، أم دخل بها .
وروي عن علي ومجاهد وغيرهما : أنه إذا طلقها قبل الدخول ، فله أن يتزوج أمها .
{ وربائبكم اللاتي في حجوركم } ظاهره أنه يشترط في تحريمها أن تكون في حجره ، وإلى هذا ذهب علي ، وبه أخذ داود وأهل الظاهر .
فلو لم تكن في حجره وفارق أمها بعد الدخول جاز له أن يتزوجها .
قالوا : حرم الله الربيبة بشرطين : أحدهما : أن تكون في حجر الزوج .
فإذا فقد أحد الشرطين لم يوجد التحريم .
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم :
« لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة » فشرط الحجر .
وقال الطحاوي وغيره : إضافتهن إلى الحجور حملاً على أغلب ما يكون الربائب ، وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما فائدة قوله : في حجوركم ؟ ( قلت ) فائدته التعليل للتحريم ، وأنهن لاحتضانكم لهن ، أو لكونهن بصدد احتضانكم .
وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمهاتهن ، وتمكن حكم الزواج بدخولكم جرت أولادهن مجرى أولادكم ، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم انتهى .
{ من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ظاهر هذا أنه متعلق بقوله : وربائبكم فقط .
واللاتي : صفة لنسائكم المجرور بمن ، ولا جائز أن يكون اللاتي وصفاً لنسائكم من قوله : وأمهات نسائكم ، ونسائكم المجرور بمن ، لأن العامل في المنعوتين قد اختلف : هذا مجرور بمن ، وذاك مجرور بالإضافة .
ولا جائز أن يكون من نسائكم متعلقاً بمحذوف ينتظم أمهات نسائكم وربائبكم ، لاختلاف مدلول حرف الجر إذ ذاك ، لأنه بالنسبة إلى قوله : وأمهات نسائكم يكون من نسائكم لبيان النساء ، وتمييز المدخول بها من غير المدخول بهن .
وبالنسبة إلى قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، يكون من نسائكم لبيان ابتداء الغاية كما تقول : هذا ابني من فلانة .
قال الزمخشري : إلا أنّ أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل من للاتصال كقوله تعالى : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } ، فإني لست منك ولست مني ، ما أنا من دد ولا الدد مني .
وأمهات النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن .
كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن ، لأنهن بناتهن انتهى .
ولا نعلم أحداً ذهب إلى أنَّ من معاني من الاتصال .
وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث ، فمتأول : وإذا جعلنا من نسائكم متعلقاً بالنساء ، والربائب كما زعم الزمخشري .
فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب .
فأما تركيبه مع لربائب ففي غاية الفصاحة والحسن ، وهو نظم الآية .
وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم ، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام فصيح ، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم .
والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بني عليها ، وضرب عليها الحجاب .
والباء : للتعدية ، والمعنى : اللاتي أدخلتموهن الستر قاله : ابن عباس ، وطاوس ، وابن دينار .
فلو طلقها بعد البناء وقبل الجماع ، جاز أن يتزوج ابنتها .
وقال عطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث : إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على الأب والابن ، وهو أحد قولي الشافعي .
واختلفوا في النظر إليها بشهوة ، فقال ابن أبي ليلى : لا يحرم النظر حتى تلمس ، وهو قول الشافعي .
وقال مالك : يحرم النظر إلى شعرها ، أو شيء من محاسنها بلذة .
وقال الكوفيون : يحرم النظر إلى فرجها بشهوة .
وقال الثوري : يحرم إذا كان تعمد النظر إلى فرجها ، ولم يذكر الشهوة .
وقال عطاء ، وحماد بن أبي سليمان : إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمها ولا ابنتها ، وعدوا هذا الحكم إلى الإماء .
وقال الحسن : إذا ملك الأمة وغمزها بشهوة ، أو كشفها ، أو قبلها ، لا تحل لولده بحال .
وأمر مسروق أن تباع جاريته بعد موته وقال : أما أني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر .
وجرد عمر أمة خلا بها فاستوهبها ابن له فقال : لا تحل لك .
{ فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } أي : في نكاح الربائب .
وليس جواز نكاح الربائب موقوفاً على انتفاء مطلق الدخول ، بل لا بد من محذوف مقدر تقديره : فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، وفارقتموهن بطلاق منكم إياهن ، أو موت منهن .
{ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } أجمعوا على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء ، وما عقد عليه الأبناء على الآباء كان مع العقد وطء ، أو لم يكن .
والحليلة : اسم يختص بالزوجة دون ملك اليمين ، ولذلك جاء في أزواج أدعيائهم .
ولما علق حكم التحريم بالتسمية دون الوطء ، اقتضى تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء .
وجاء الذين من أصلابكم وهو وصف لقوله : أبنائكم ، برفع المجاز الذي يحتمله لفظ أبنائكم إذ كانوا يطلقون على من اتخذته العرب ابناً من غيرهم ، وتبنته ابناً ، كما كانوا يقولون : زيد بن محمد ، إلى أن نزل : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } الآية وكما قالت امرأة أبي حذيفة في سالم : إنا كنا نراه ابناً .
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمته ، أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة ، وأجمعوا على أن حليلة الابن من الرضاع في التحريم كحليلة الابن من الصلب ، استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وظاهر قوله : وحلائل أبنائكم اختصاص ذلك بالزوجات كما ذكرناه ، واتفقوا على أنَّ مطلق عقد الشراء للجارية لا يحرمها على أبيه ولا ابنه ، فلو لمسها أو قبلها حرمت على أبيه وابنه ، لا يختلف في تحريم ذلك .
واختلفوا في مجرد النظر بشهوة .
{ وأن تجمعوا بين الأختين } أن تجمعوا في موضع رفع لعطفه على مرفوع ، والمعنى : وإن تجمعوا بين الأختين في النكاح ، لأن سياق الآية إنما هو في النكاح ، وإن كان الجمع بين الأختين أعم من أن يكون في زوجين ، أو بملك اليمين .
فأما إذا كان على سبيل التزويج ، فأجمعت الأمة على تحريم العقد على ذلك سواء وقع العقدان معاً ، أم مرتباً .
واختلفوا في تزويج المرأة في عدة أختها : فروي عن زيد ، وابن عباس ، وعبيدة ، وعطاء ، وابن سيرين ، ومجاهد في آخرين من التابعين : أن ذلك لا يجوز فبعضهم أطلق العدة ، وبعضهم قال : إذا كانت من الثلاث وهو قول : أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، والثوري ، والحسن بن صالح .
وروي عن عروة ، والقاسم ، وخلاس : أنه يجوز له ذلك إذا كانت من طلاق بائن ، وهو قول : مالك والأوزاعي والليث والشافعي .
والجواز ظاهر الآية ، إذا لم يكن الطلاق رجعياً .
وأما الجمع بينهما بملك اليمين فلا خلاف في شرائهما ودخولهما في ملكه ، وأما الجمع بينهما في الوطء : فذهب عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والزبير ، وابن عمر ، وعمار وزيد : إلى أنه لا يجوز ذلك .
وهل ذلك على سبيل الكراهة أو التحريم ؟ فذكر ابن المنذر عن جمهور أهل العلم : الكراهة .
وذكر عن إسحاق : التحريم وكان المستنصر بالله أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا بن أبي محمد بن أبي حفص ملك أفريقية قد سأل أحد شيوخنا الذين لقيناهم بتونس ، وهو الشيخ العابد المنقطع أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الإشبيلي : ألا ترى عن الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ؟ فأجابه بالمنع ، وكان غيره قد أفتاه بالجواز .
واستدل شيخنا على منع ذلك بظاهر قوله : وأن تجمعوا بين الأختين .
وروي عن عثمان ، وابن عباس : إباحة ذلك .
وإذا اندرج أيضاً الجمع بينهما بأن يجمع بينهما في الوطء بتزوج وملك يمين ، فيكون قد تزوج واحدة ، وملك أختها .
وقد أكثر المفسرون من الفروع هنا ، وموضع ذلك كتب الفقه .
{ إلا ما قد سلف } إستثناء منقطع يتعلق بالأخير ، وهو : أن تجمعوا بين الأختين .
والمعنى : لكن ما سلف من ذلك ، ووقع .
وأزالت شريعة الإسلام حكمه ، فإن الله يغفره والإسلام يجبه ويدل على عدم المؤاخذة به قوله .
{ إن الله كان غفوراً رحيماً } وقد يكون معنى قوله : إلا ما قد سلف ، فلا ينفسخ به العقد على أختين ، بل يخير بين من شاء منهما ، فيطلق الواحدة ، ويمسك الأخرى كما جاء في حديث فيروز الديلمي : أنه أسلم وتحته أختان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طلق إحداهما وأمسك الأخرى » وظاهر حديث فيروز : التخيير من غير نظر إلى وقت العقد ، وهو مذهب مالك ، ومحمد ، والليث ، وذهب : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والثوري إلى أنه يختار من سبق نكاحها ، فإن كانا في عقد واحد فرق بينه وبينهما .
وقال عطاء ، والسدي : هذا الاستثناء يدل على أن ما تقدّم قبل ورود النهي كان مباحاً ، هذا يعقوب عليه السلام جمع بين أم يوسف وأختها .
ويضعف هذا لبعد صحة إسناد قصة يعقوب في ذلك ، وكون هذا التحريم متعلقاً بشرعنا نحن ، لا يظهر منه ذكر عفو عنه فيما فعل غيرنا .