البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

العمة : أخت الأب .

الخالة : أخت الأم ، وألفها منقلبة عن واو ، دليل ذلك قولهم : أخوال في جمع الخال ، ورجل مخول كريم الأخوال .

الربيبة : بنت زوج الرجل من غيره .

الحَجر بفتح الحاء وكسرها : مقدّم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حال اللبس ، ثم استعملت اللفظة في السير والحفظ ، لأن اللابس إنما يحفظ طفلاً ، وما أشبهه في ذلك الموضع من الثوب ، وجمعه حجور .

الحليلة : الزوجة ، والحليل الزوج قال :

أغشى فتاة الحي عند حليلها *** وإذا غزا في الجيش لا أغشاها

سميت حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل ، فهي فعيلة بمعنى فاعلة .

وذهب الزجاج وغيره إلى أنها من لفظ الحلال ، فهي حليلة بمعنى محللة .

وقيل : كل واحد منهما يحل إزار صاحبه .

الصلب : الظهر ، وصلب صلابة قوي واشتدّ .

وذكر الفراء في كتاب لغات القرآن له : أن الصلب وهو الظهر ، على وزن قفل هو لغة أهل الحجاز ويقول فيه تميم وأسد : الصلب بفتح الصاد واللام .

قال : وأنشدني بعضهم :

وصلب مثل العنان المؤدم *** قال وأنشدني بعض بني أسد

إذا أقوم أتشكي صلبي *** { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } لما تقدم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه وليست أمه ، كان تحريم أمه أولى بالتحريم .

وليس هذا من المجمل ، بل هذا مما حذف منه المضاف الدلالة المعنى عليه .

لأنه إذا قيل : حرم عليك الخمر ، إنما يفهم منه شربها .

وحرمت عليك الميتة أي : أكلها .

وهذا من هذا القبيل ، فالمعنى : نكاح أمهاتكم .

ولأنه قد تقدم ما يدل عليه وهو قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } .

وقال محمد بن عمر الرازي : فيها عندي بحث من وجوه : أحدها : أنَّ بناء الفعل للمفعول لا تصريح فيه بأن المحرّم هو الله .

وثانيها : أنّ حرمت لا يدل على التأبيد ، إذ يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت .

وثالثها : أنّ عليكم خطاب مشافهة ، فيختصّ بالحاضرين .

ورابعها : أنّ حرمت ماض ، فلا يتناول الحال والمستقبل .

وخامسها : أنه يقتضي أنه يحرم على كل أحد جميع أمهاتهم .

وسادسها : أنَّ حرمت يشعر ظاهره بسبق الحل ، إذ لو كان حراماً لما قيل : حرمت .

وثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب انتهى ملخصاً .

وهذه البحوث التي ذكرها لا تختص بهذا الموضع ولا طائل فيها ، إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به ، ومعلوم أنّ المحرّم هو الله تعالى .

ألا ترى إلى آخر الآية وهو قوله : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً } وقال بعد : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } على قراءة من بناه للفاعل .

ومتى جاء التحريم من الله فلا يفهم منه إلا التأبيد ، فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها كقوله : { فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد }

وأما أنه صيغة ماض فيخصه فالأفعال التي جاءت يستفاد منها الأحكام الشرعية ، وإن كانت بصيغة الماضي فإنها لا تخصه ، فإنها نظير أقسمت لأضربن زيداً لا يراد بها أنه صدر منه إقسام في زمان ماض .

فإن كان الحكم ثابتاً قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثابت ، وإن لم كن ثابتاً ففائدته إنشاء ذلك الحكم وتجديده .

وأمّا أن الظاهر أنه يحرم على كلّ أحد جميع أمهاتهم فليس بظاهر ، ولا مفهوم من اللفظ .

لأنّ عليكم أمهاتكم عام يقابله عام ، ومدلول العموم أن تقابل كل واحد بكلّ واحد واحد .

أما أن يأخذ ذلك على طريق الجمعية فلا ، لأنها ليست دلالة العام .

فإنما المفهوم : حرم على كل واحد واحد منكم كلّ واحدة ، واحدة من أم نفسه .

والمعنى : حرم على هذا أمه .

وعلى هذا أمّه والأمّ المحرّمة شرعاً هي كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك ، أو من جهة أمك .

ولفظ الأم حقيقة في التي ولدتك نفسه .

ودلالة لفظ الأم على الجدّة إن كان بالتواطىء أو بالاشتراك ، وجاز حمله على المشتركين ، كان حقيقة ، وتناولها النص .

وإن كان بالمجاز وجاز حمله على الحقيقة والمجاز ، فكذلك وإلا فيستفاد تحريم الجدّات من الإجماع أو من نصّ آخر .

وحرمة الأمهات والبنات كانت من زمان آدم عليه السلام إلى زماننا هذا ، وذكروا أنّ سبب هذا التحريم : أنّ الوطء إذلال وامتهان ، فصينت الأمهات عنه ، إذ إنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام .

والبنت المحرّمة كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور ، وبنت البنت هل تسمى بنتاً حقيقة ، أو مجازاً الكلام فيها كالكلام في الجدة ، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة تمجس ، ذكر ذلك : النضر بن شميل في كتاب المثالب .

{ وأخواتكم } الأخت المحرمة كل من جمعك وإياها صلب أو بطن .

{ وعماتكم وخالاتكم } العمة : أخت الأب ، والخالة : أخت الأم .

وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن .

وتحرم عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها ، وعمة العمة .

وأم خالة العمة فإن كانت العمة أخت أب لأم ، أو لأب وأم ، فلا تحل خالة العمة لأنها أخت الجدة .

وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط ، فخالتها أجنبية من بني أخيها تحلّ للرجال ، ويجمع بينها وبين النساء .

وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة أخت أم لأب فلا تحل عمة الخالة ، لأنها أخت جد .

وإن كانت الخالة أخت أم لأم فقط فعمتها أجنبية من بني أختها .

{ وبنات الأخ وبنات الأخت } تحرم بناتهما وإن سفلن .

وأفرد الأخ والأخت ولم يأت جمعاً ، لأنه أضيف إليه الجمع ، فكان لفظ الإفراد أخف ، وأريد به الجنس المنتظم في الدلالة الواحدة وغيره .

فهؤلاء سبع من النسب تحريمهن مؤبد .

وأما اللواتي صرن محرمات بسبب طارىء فذكرهن في القرآن سبعاً وهن في قوله تعالى :

{ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وسمى المرضعات أمهات لأجل الحرمة ، كما سمى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين .

ولما سمى المرضعة أماً والمرضعة مع الراضع أختاً ، نبّه بذلك على إجراء الرضاع مجرى النسب .

وذلك لأنه حرم بسبب النسب سبع : اثنتان هما المنتسبتان بطريق الولادة وهما : الأم والبنت .

وخمس بطريق الأخوة وهن : الأخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت .

ولما ذكر الرضاع ذكر من كل قسم من هذين القسمين صورة تنبيهاً على الباقي ، فذكر من قسم قرابة الأولاد الأمهات ، ومن قسم قرابة الإخوة والأخوات ، ونبه بهذين المثالين على أنّ الحال في باب الرضاع كالحال في باب النسب .

ثم إنه صلى الله عليه وسلم أكد هذا بصريح قوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فصار صريح الحديث مطابقاً لما أشارت إليه الآية .

فزوج المرضعة أبوه ، وأبواه جداه ، وأخته عمته .

وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه ، وأم المرضعة جدته ، وأختها خالته .

وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخوانه لأبيه وأمه .

وأما ولدها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه .

وقالوا : تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع .

لأن المعنى في النسب وطؤه أمها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع .

والثانية : لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب ، ويجوز في الرضاع .

لأن المانع في النسب وطء الأب إياها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع ، وظاهر الكلام إطلاق الرضاع .

ولم تتعرض الآية إلى سن الراضع ، ولا عدد الرضعات .

ولا للبن الفحل ، ولا لإرضاع الرجل لبن نفسه للصبي ، أو إيجاره به ، أو تسعيطه بحيث يصل إلى الجوف .

وفي هذا كله خلاف مذكور في كتب الفقه .

وقرأ الجمهور : اللاتي أرضعنكم .

وقرأ عبد الله : اللاي بالياء .

وقرأ ابن هرمز : التي .

وقرأ أبو حيوة : من الرضاعة بكسر الراء .

{ وأمهات نسائكم } الجمهور على أنها على العموم .

فسواء عقد عليها ولم يدخل ، أم دخل بها .

وروي عن علي ومجاهد وغيرهما : أنه إذا طلقها قبل الدخول ، فله أن يتزوج أمها .

وأنها في ذلك بمنزلة الربيبة .

{ وربائبكم اللاتي في حجوركم } ظاهره أنه يشترط في تحريمها أن تكون في حجره ، وإلى هذا ذهب علي ، وبه أخذ داود وأهل الظاهر .

فلو لم تكن في حجره وفارق أمها بعد الدخول جاز له أن يتزوجها .

قالوا : حرم الله الربيبة بشرطين : أحدهما : أن تكون في حجر الزوج .

الثاني : الدخول بالأم .

فإذا فقد أحد الشرطين لم يوجد التحريم .

واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم :

« لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة » فشرط الحجر .

وقال الطحاوي وغيره : إضافتهن إلى الحجور حملاً على أغلب ما يكون الربائب ، وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما فائدة قوله : في حجوركم ؟ ( قلت ) فائدته التعليل للتحريم ، وأنهن لاحتضانكم لهن ، أو لكونهن بصدد احتضانكم .

وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمهاتهن ، وتمكن حكم الزواج بدخولكم جرت أولادهن مجرى أولادكم ، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم انتهى .

وفيه بعض اختصار .

{ من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ظاهر هذا أنه متعلق بقوله : وربائبكم فقط .

واللاتي : صفة لنسائكم المجرور بمن ، ولا جائز أن يكون اللاتي وصفاً لنسائكم من قوله : وأمهات نسائكم ، ونسائكم المجرور بمن ، لأن العامل في المنعوتين قد اختلف : هذا مجرور بمن ، وذاك مجرور بالإضافة .

ولا جائز أن يكون من نسائكم متعلقاً بمحذوف ينتظم أمهات نسائكم وربائبكم ، لاختلاف مدلول حرف الجر إذ ذاك ، لأنه بالنسبة إلى قوله : وأمهات نسائكم يكون من نسائكم لبيان النساء ، وتمييز المدخول بها من غير المدخول بهن .

وبالنسبة إلى قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، يكون من نسائكم لبيان ابتداء الغاية كما تقول : هذا ابني من فلانة .

قال الزمخشري : إلا أنّ أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل من للاتصال كقوله تعالى : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } ، فإني لست منك ولست مني ، ما أنا من دد ولا الدد مني .

وأمهات النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن .

كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن ، لأنهن بناتهن انتهى .

ولا نعلم أحداً ذهب إلى أنَّ من معاني من الاتصال .

وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث ، فمتأول : وإذا جعلنا من نسائكم متعلقاً بالنساء ، والربائب كما زعم الزمخشري .

فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب .

فأما تركيبه مع لربائب ففي غاية الفصاحة والحسن ، وهو نظم الآية .

وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم ، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام فصيح ، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم .

والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بني عليها ، وضرب عليها الحجاب .

والباء : للتعدية ، والمعنى : اللاتي أدخلتموهن الستر قاله : ابن عباس ، وطاوس ، وابن دينار .

فلو طلقها بعد البناء وقبل الجماع ، جاز أن يتزوج ابنتها .

وقال عطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث : إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على الأب والابن ، وهو أحد قولي الشافعي .

واختلفوا في النظر إليها بشهوة ، فقال ابن أبي ليلى : لا يحرم النظر حتى تلمس ، وهو قول الشافعي .

وقال مالك : يحرم النظر إلى شعرها ، أو شيء من محاسنها بلذة .

وقال الكوفيون : يحرم النظر إلى فرجها بشهوة .

وقال الثوري : يحرم إذا كان تعمد النظر إلى فرجها ، ولم يذكر الشهوة .

وقال عطاء ، وحماد بن أبي سليمان : إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمها ولا ابنتها ، وعدوا هذا الحكم إلى الإماء .

وقال الحسن : إذا ملك الأمة وغمزها بشهوة ، أو كشفها ، أو قبلها ، لا تحل لولده بحال .

وأمر مسروق أن تباع جاريته بعد موته وقال : أما أني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر .

وجرد عمر أمة خلا بها فاستوهبها ابن له فقال : لا تحل لك .

{ فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } أي : في نكاح الربائب .

وليس جواز نكاح الربائب موقوفاً على انتفاء مطلق الدخول ، بل لا بد من محذوف مقدر تقديره : فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، وفارقتموهن بطلاق منكم إياهن ، أو موت منهن .

{ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } أجمعوا على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء ، وما عقد عليه الأبناء على الآباء كان مع العقد وطء ، أو لم يكن .

والحليلة : اسم يختص بالزوجة دون ملك اليمين ، ولذلك جاء في أزواج أدعيائهم .

ولما علق حكم التحريم بالتسمية دون الوطء ، اقتضى تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء .

وجاء الذين من أصلابكم وهو وصف لقوله : أبنائكم ، برفع المجاز الذي يحتمله لفظ أبنائكم إذ كانوا يطلقون على من اتخذته العرب ابناً من غيرهم ، وتبنته ابناً ، كما كانوا يقولون : زيد بن محمد ، إلى أن نزل : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } الآية وكما قالت امرأة أبي حذيفة في سالم : إنا كنا نراه ابناً .

وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمته ، أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة ، وأجمعوا على أن حليلة الابن من الرضاع في التحريم كحليلة الابن من الصلب ، استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وظاهر قوله : وحلائل أبنائكم اختصاص ذلك بالزوجات كما ذكرناه ، واتفقوا على أنَّ مطلق عقد الشراء للجارية لا يحرمها على أبيه ولا ابنه ، فلو لمسها أو قبلها حرمت على أبيه وابنه ، لا يختلف في تحريم ذلك .

واختلفوا في مجرد النظر بشهوة .

{ وأن تجمعوا بين الأختين } أن تجمعوا في موضع رفع لعطفه على مرفوع ، والمعنى : وإن تجمعوا بين الأختين في النكاح ، لأن سياق الآية إنما هو في النكاح ، وإن كان الجمع بين الأختين أعم من أن يكون في زوجين ، أو بملك اليمين .

فأما إذا كان على سبيل التزويج ، فأجمعت الأمة على تحريم العقد على ذلك سواء وقع العقدان معاً ، أم مرتباً .

واختلفوا في تزويج المرأة في عدة أختها : فروي عن زيد ، وابن عباس ، وعبيدة ، وعطاء ، وابن سيرين ، ومجاهد في آخرين من التابعين : أن ذلك لا يجوز فبعضهم أطلق العدة ، وبعضهم قال : إذا كانت من الثلاث وهو قول : أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، والثوري ، والحسن بن صالح .

وروي عن عروة ، والقاسم ، وخلاس : أنه يجوز له ذلك إذا كانت من طلاق بائن ، وهو قول : مالك والأوزاعي والليث والشافعي .

واختلف عن سعيد والحسن وعطاء .

والجواز ظاهر الآية ، إذا لم يكن الطلاق رجعياً .

وأما الجمع بينهما بملك اليمين فلا خلاف في شرائهما ودخولهما في ملكه ، وأما الجمع بينهما في الوطء : فذهب عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والزبير ، وابن عمر ، وعمار وزيد : إلى أنه لا يجوز ذلك .

وهل ذلك على سبيل الكراهة أو التحريم ؟ فذكر ابن المنذر عن جمهور أهل العلم : الكراهة .

وذكر عن إسحاق : التحريم وكان المستنصر بالله أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا بن أبي محمد بن أبي حفص ملك أفريقية قد سأل أحد شيوخنا الذين لقيناهم بتونس ، وهو الشيخ العابد المنقطع أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الإشبيلي : ألا ترى عن الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ؟ فأجابه بالمنع ، وكان غيره قد أفتاه بالجواز .

واستدل شيخنا على منع ذلك بظاهر قوله : وأن تجمعوا بين الأختين .

وروي عن عثمان ، وابن عباس : إباحة ذلك .

وإذا اندرج أيضاً الجمع بينهما بأن يجمع بينهما في الوطء بتزوج وملك يمين ، فيكون قد تزوج واحدة ، وملك أختها .

وقد أكثر المفسرون من الفروع هنا ، وموضع ذلك كتب الفقه .

{ إلا ما قد سلف } إستثناء منقطع يتعلق بالأخير ، وهو : أن تجمعوا بين الأختين .

والمعنى : لكن ما سلف من ذلك ، ووقع .

وأزالت شريعة الإسلام حكمه ، فإن الله يغفره والإسلام يجبه ويدل على عدم المؤاخذة به قوله .

{ إن الله كان غفوراً رحيماً } وقد يكون معنى قوله : إلا ما قد سلف ، فلا ينفسخ به العقد على أختين ، بل يخير بين من شاء منهما ، فيطلق الواحدة ، ويمسك الأخرى كما جاء في حديث فيروز الديلمي : أنه أسلم وتحته أختان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طلق إحداهما وأمسك الأخرى » وظاهر حديث فيروز : التخيير من غير نظر إلى وقت العقد ، وهو مذهب مالك ، ومحمد ، والليث ، وذهب : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والثوري إلى أنه يختار من سبق نكاحها ، فإن كانا في عقد واحد فرق بينه وبينهما .

وقال عطاء ، والسدي : هذا الاستثناء يدل على أن ما تقدّم قبل ورود النهي كان مباحاً ، هذا يعقوب عليه السلام جمع بين أم يوسف وأختها .

ويضعف هذا لبعد صحة إسناد قصة يعقوب في ذلك ، وكون هذا التحريم متعلقاً بشرعنا نحن ، لا يظهر منه ذكر عفو عنه فيما فعل غيرنا .

/خ28