{ إن الله وملائكته يصلون على النبي } يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } اعتنوا انتم أيضا فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد . { وسلموا تسليما } وقولوا السلام عليك أيها النبي وقيل وانقادوا لأوامره ، والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة ، وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله عليه الصلاة والسلام " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي " وقوله " من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله " ، وتجوز الصلاة على غيره تبعا . وتكره استقلالا لأنه في العرف صار شعارا لذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن الله وملائكته يصلون على النبي} صلى الله عليه وسلم، أما صلاة الرب عز وجل فالمغفرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي صلى الله عليه وسلم.
{يأيها الذين آمنوا صلوا عليه} استغفروا للنبي صلى الله عليه وسلم {وسلموا تسليما}.
يحيى: عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد، أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأل ثم قال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)، والسلام كما قد علمتم.
قال الشافعي: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت، من أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ في الصلاة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الله وملائكته يبرّكون على النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم...
وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبيّ، وتدعو له ملائكته ويستغفرون، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء...
"يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ" يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، "وَسَلّمُوا عَلَيْهِ تَسْلِيما" يقول: وحيوه تحية الإسلام... حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت الله يقول: "إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ". فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قُلِ: اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراَهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
حدثني جعفر بن محمد الكوفي، قال: حدثنا يعلى بن الأجلح، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى، عن كعب بن عُجرة، قال: لما نزلت: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ يا أيها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيما قمت إليه، فقلت: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: «قُلِ اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ، إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن إبراهيم في قوله "إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ" الآية، قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: «اللّهُمّ صَلّ عَلى مَحَمّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وأهْلِ بَيْتِهِ كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ففي الآية الأمر للمؤمنين أن يصلوا على النبي، ثم لما سئل هو عن كيفية الصلاة عليه وماهيتها قال لهم: أن تقولوا: اللهم صل على محمد، وهو سؤال أن يتولى الرب الصلاة عليه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{إنَّ اللَّهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قاله أبو العالية.
{وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} يحتمل وجهين: أحدهما: سلموا لأمره بالطاعة له تسليماً.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وصلاة الله تعالى هو ما فعله به من كراماته وتفضيله وإعلاء درجاته ورفع منازله وثنائه عليه، وغير ذلك من أنواع إكرامه.
وصلاة الملائكة عليه مسألتهم الله تعالى أن يفعل به مثل ذلك.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أراد الله -سبحانه- أن تكون للأمة عنده -صلى الله عليه وسلم- يَدُ خدمةٍ كما له بالشفاعة عليهم يَدُ نعمةٍ، فأَمَرَهم بالصلاة عليه، وفي هذا إشارة إلى أن العبدَ لا يستغني عن الزيادة من الله في وقتٍ من الأوقات؛ إذ لا رتبةَ فوق رتبةِ الرسولِ، وقد احتاج إلى زيادةِ صلواتِ الأمَّةِ عليه.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وأما السلام على الرسول فهو أن تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا في حق أصحاب رسول الله، وكانت السنة لهم أن يواجهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه، فأما في حق سائر المؤمنين ففي التشهد يقول على ما هو المعروف.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{إن الله وملائكته يصلون على النبي} يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه.
{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} اعتنوا انتم أيضا فإنكم أولى بذلك وقولوا: اللهم صل على محمد.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول:"صلى الله عليه فقط"، ولا "عليه السلام "فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليما.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... واعلم أنا لم نقف على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون على النبي كلما جرى ذكر اسمه ولا أن يكتبوا الصلاة عليه إذا كتبوا اسمه، ولم نقف على تعيين مبدأ كتابة ذلك بين المسلمين؛ والذي يبدو أنهم كانوا يصلون على النبي إذا تذكروا بعض شؤونه كما كانوا يترحمون على الميِّت إذا ذكروا بعض محاسنه.
وفي « السيرة الحلبية»: « لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترى عمر من الدهش ما هو معلوم، وتكلم أبو بكر بما هو معلوم قال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون صلواتُ الله على رسوله، وعند الله نحتسب رسوله» وروى البخاري في باب: متى يحلّ المعتمر: عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقول كلما مرت بالحَجون « صلى الله على رسوله محمد وسلم لقد نزلنا معه ههنا ونحن يومئذٍ خِفاف» إلى آخره ثم أحدثت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الكتب في زمن هارون الرشيد، ذكر ذلك ابن الأثير في « الكامل» في سنة إحدى وثمانين ومائة، وذكره عياض في « الشفاء»، ولم يذكرا صيغة التصلية. وفي « المخصص» لابن سيده في ذكر الخُف والنعل: إن أبا مُحَلِّم بعث إلى حذَّاء بنعل ليحذوها وقال له: « ثم سُنَّ شَفْرَتك وسُنّ رأس الإِزميل ثم سَمِّ باسم الله وصلّ على محمد ثم انحها» إلى آخره، قال النووي في مقدمة شرحه على « صحيح مسلم» « يستحب لكاتب الحديث إذا مر بذكر الله أن يكتب عز وجل أو تعالى،أو سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جل ذكره أو تبارك اسمه أو جلت عظمته أو ما أشبه ذلك، وكذلك يكتب عند ذكر النبي « صلى الله عليه وسلم بكمالها لا رامزاً إليها ولا مقتصراً على بعضها، ويكتب ذلك وإن لم يكن مكتوباً في الأصل الذي ينقل منه، فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء.
وينبغي للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكوراً في الأصل الذي يقرأ منه ولا يَسأم من تكرر ذلك، ومن أغفل ذلك حُرم خيراً عظيماً»ـ