المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

101- ولو أوتى هؤلاء من الآيات ما اقترحوا لصرفوها عن وجهها ، ولم يؤمنوا بها ، ولقد آتينا موسى تسع آيات واضحات{[119]} ومع ذلك كفروا ، وقال فرعون : أني لأظنك مسحورا يا موسى .


[119]:هذه الآيات التسع: 1 – العصا. 2 – اليد البيضاء. 3 – الطوفان. 4 – الجراد والضفادع والقمل والدم. 5 - الجدب ونقص الثمار. 6 – فلق البحر. 5 – انبجاس الماء من الحجر. 8 – نتق الجبل كأنه ظله. 9 – خطابه لربه.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات ، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون ، وهي : العصا ، واليد ، والسنين{[17871]} ، والبحر ، والطوفان{[17872]} ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات . قاله ابن عباس .

وقال محمد بن كعب : هي اليد ، والعصا ، والخمس في الأعراف ، والطَّمْسَة والحجر .

وقال : ابن عباس أيضًا ، ومجاهد ، وعكرمة والشعبي ، وقتادة : هي يده ، وعصاه ، والسنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .

وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي . وجعل الحسن البصري " السنين ونقص الثمرات " واحدة ، وعنده أن التاسعة هي : تلقف العصا ما يأفكون . { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [ الأعراف : 133 ] أي : ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها ، كفروا بها وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا ، وما نجعت{[17873]} فيهم ، فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك{[17874]} سألوا ، وقالوا : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] إلى آخرها ، لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله ، كما قال فرعون لموسى - وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات - : ( إِنِّي لأظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) قيل : بمعنى ساحر . والله تعالى أعلم .

فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هاهنا ، وهي المعنية في قوله تعالى : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [ النمل : 10 - 12 ] . فذكر هاتين الآيتين : العصا واليد ، وبين الآيات الباقيات في " سورة الأعراف " وفصلها .

وقد أوتي موسى ، عليه السلام ، آيات أخرَ كثيرة ، منها ضربُه الحجر بالعصا ، وخروج الأنهار منه ، ومنها تظليلهم بالغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وغير ذلك مما أوتوه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر ، وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرًا وجحودًا . فأما الحديث الذي رواه الإمام [ أحمد ]{[17875]} :

حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مُرَّة قال : سمعت عبد الله بن سلمة{[17876]} يحدث ، عن صفوان بن عَسّال المرادي ، رضي الله عنه ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[17877]} حتى نسأله عن هذه الآية : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) فقال : لا تقل له : نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين . فسألاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا يهود ، عليكم{[17878]} خاصة أن لا تعدوا في السبت " . فقبلا يديه ورجليه ، وقالا نشهد أنك نبي . [ قال : " فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ " قالا لأن داود ، عليه السلام ، دعا ألا يزال من ذريته نبي ]{[17879]} ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود .

فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج ، به{[17880]} وقال الترمذي : حسن صحيح .

وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء ، وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات ، فإنها ، وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون ، والله أعلم . ولهذا قال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ }


[17871]:في ت، ف، أ: ولسانه".
[17872]:في ف، أ: "والطوفان والبحر".
[17873]:في ت: "وما نجوت".
[17874]:في ت: "مثل".
[17875]:زيادة من أ.
[17876]:في ف: "مسلم".
[17877]:زيادة من ت.
[17878]:في ت: "أيكم".
[17879]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[17880]:المسند (4/239) وسنن الترمذي برقم (3144) وسنن النسائي (7/111) وسنن ابن ماجة برقم (3705) وتفسير الطبري (15/115).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع ، وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، واختلفوا في الأربع ، فقال ابن عباس : هي يده ولسانه حين انحلت عقدته ، وعصاه والبحر ، وقال محمد بن كعب القرطبي : هي البحر والعصا والطمسة والحجر ، وقال سألني عن ذلك عمر بن عبد العزيز فأخبرته ، فقال لي : وما الطمسة ؟ فقلت دعا موسى وآمن هارون فطمس الله أموالهم وردها حجارة ، فقال عمر : وهل يكون الفقه إلا هكذا ؟ ثم دعا بخريطة فيها غرائب كانت لعبد العزيز بن مروان ، جمعها بمصر ، فاستخرج منها الحوزة والبيضة والعدسة وهي كلها حجر كانت من بقايا أموال آل فرعون ، وقال الضحاك : هي إلقاء العصا مرتين ، واليد ، وعقدة لسانه ، وقال عكرمة ومطر الوراق ، والشعبي : هي العصا واليد والسنون ونقص الثمرات ، وقال الحسن : هي العصا في كونها ثعباناً وتلقف العصا ما يأفكون ، وقال ابن عباس : هي السنون في بواديهم ، ونقص الثمرات في قراهم ، واليد ، والعصا ، وروى مطرف عن مالك أنها العصا ، واليد ، والجبل إذ نتق ، والبحر ، وروى ابن وهب عنه مكان البحر الحجر ، والذي يلزم من الآية أن الله تعالى خص من آيات موسى إذ هي كثيرة جداً تنيف على أربع وعشرين ، تسعاً بالذكر ووصفها بالبيان ولم يعينها ، واختلف العلماء في تعيينها بحسب اجتهادهم في بيانها أو روايتهم التوقيف في ذلك ، وقالت فرقة آيات موسى إنما أريد بها آيات التوراة التي هي أوامر ونواه ، روى في هذا صفوان بن عسال{[7719]} ، أن يهود المدينة قال لآخر : سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى ، فقال له الآخر : لا تقل إنه نبي ، فإنه لو سمعك صار له أربع أعين ، قال : فسارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال «هن أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرفوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت »{[7720]} ، وقرأ الجمهور «فاسأل بني إسرائيل » وروي عن الكسائي «فسل » على لغة من قال سأل يسأل{[7721]} ، وهذا كله على معنى الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي اسأل معاصريك عما أعلمناك به من غيب القصة ، ثم قال { إذ جاءهم } يريد آباءهم ، وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم ، ويحتمل أن يريد { فاسأل بني إسرائيل } الأولين الذين جاءهم موسى وتكون إحالته إياه على سؤالهم بطلب إخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم نحو قوله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا }{[7722]} [ الزخرف : 45 ] وهذا كما تقول لمن تعظه : سل الأمم الخالية هل بقي منها مخلد ؟ ونحو هذا مما يجعل النظر فيه مكان السؤال ، قال الحسن : سؤالك نظرك في القرآن وقرأ ابن عباس «فسأل بني إسرائيل » أي فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب ، وقوله { مسحوراً } اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة هو مفعول على بابه ، أي إنك قد سحرت ، فكلامك مختل ، وما تأتي به غير مستقيم ، وقال الطبري : هو مفعول بمعنى فاعل كما قال { حجاباً مستوراً }{[7723]} [ الإسراء : 45 ] وكما قالوا مشؤوم وميمون وإنما هو شايم ويامن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يتخرج إلى على النسب أي ذا سحر ملكته وعلمته ، فأنت تأتي بهذه الغرائب لذلك ، وهذه مخاطبة تنقص ، فيستقيم أن يكون { مسحوراً } مفعولاً على ظاهره ، وعلى أن يكون بمعنى ساحر يعارضنا ( أما ){[7724]} ما حكي عنهم أنهم قالوا له على جهة المدح { يا أيها الساحر ادع لنا ربك }{[7725]} [ الزخرف : 49 ] فإما أن يكون القائلون هنالك ليس فيهم فرعون وإما أن يكون فيهم لكنه تنقل من تنقصه إلى تعظيمه ، وفي هذا نظر .


[7719]:هو صفوان بن عسال (بمهملتين)، المرادي، صحابي معروف، نزل الكوفة (تقريب التهذيب).
[7720]:أخرجه الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، والبيهقي معا في الدلائل، عن صفوان بن عسال. ذكر ذلك في (الدر المنثور). وفي آخر الحديث زيادة على ما هنا (فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبي. وإنا نخاف – إن أسلمنا – أن تقتلنا اليهود).
[7721]:نقل في اللسان (سأل) عن الأخفش قوله: "يقال: خرجنا نسأل عن فلان وبفلان، وقد يخفف فيقال: سال يسال، والأمر منه سل، قال الشاعر: ومرهق سال إمتاعا بأصدتــــــه لم يستعن وحوامي الموت تغشاه".
[7722]:من الآية (45) من سورة (الزخرف).
[7723]:من الآية (45) من هذه السورة (الإسراء).
[7724]:زيادة تقتضيها سلامة العبارة.
[7725]:هذا في الآية الكريمة رقم (49) من سورة (الزخرف)، في قوله سبحانه: {وقالوا يأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك}.