المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

54- أما الجاحدون فقد دَبَّروا تدبيراً خفياً يحاربون به دعوة عيسى ، فأبطل الله كيدهم فلم ينجحوا فيما أرادوا ، والله أحكم المدبرين وأقواهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

ثم قال{[5066]} تعالى مخبرا عن [ ملأ ]{[5067]} بني إسرائيل فيما هَمُّوا به من الفتك{[5068]} بعيسى ، عليه السلام ، وإرادته بالسوء والصَّلب ، حين تمالؤوا{[5069]} عليه وَوَشَوا به إلى ملك ذلك الزمان ، وكان كافرًا ، فأنْهَوا إليه أن هاهنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ، وَيُفَنِّد الرعايا ، ويفرق بين الأب وابنه{[5070]} إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب ، وأنه ولد زانية{[5071]} حتى استثاروا غضب الملك ، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه ويُنَكّل به ، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظَفروا به ، نجاه الله من بينهم ، ورفعه من رَوْزَنَة ذلك البيت إلى السماء ، وألقى الله شبهه على رجل [ ممن ]{[5072]} كان عنده في المنزل ، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى ، عليه السلام ، فأخذوه وأهانوه وصلبوه ، ووضعوا على رأسه الشوك . وكان هذا من مكر الله بهم ، فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم ، وتركهم في ضلالهم يعمهون ، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطَلبتِهم ، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم ، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } .


[5066]:في أ: "وقال".
[5067]:زيادة من أ، و.
[5068]:في أ: "القتل".
[5069]:في أ: "مالوا".
[5070]:في جـ، أ، و: "الابن وأبيه".
[5071]:في جـ، ر، أ، و: "زنية".
[5072]:زيادة من أ، و.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرين بعيسى فقال : { ومكروا } يريد تحيلهم في أخذ عيسى للقتل بزعمهم ، ويروى أنهم تحيلوا له ، وأذكوا عليه العيون{[3203]} حتى دخل هو والحواريون بيتاً فأخذوهم فيه ، فهذا مكر بني إسرائيل ، وجازاهم الله تعالى بأن طرح شبه عيسى على أحد الحواريين ورفع عيسى ، وأعقب بني إسرائيل مذلة وهواناً في الدنيا والآخرة ، فهذه العقوبة هي التي سماها الله مكراً في قوله { ومكر الله } وهذا مهيع أن تسمى العقوبة باسم الذنب وإن لم تكن في معناه ، وعلى هذا فسر جمهور المفسرين الآية ، وعلى أن عيسى قال للحواريين : من يصبر فيلقى عليه شبهي فيقتل وله الجنة ؟ فقال أحدهم - أنا - فكان ذلك ، وروى قوم أن بني إسرائيل دست يهودياً جاسوساً على عيسى حتى صحبه ودلهم عليه ودخل معه البيت فلما أحيط بهم ألقى الله شبه عيسى على ذلك الرجل اليهودي فأخذ وصلب ، فهذا معنى قوله : { ومكروا ومكر الله } وهذه أيضاً تسمية عقوبة باسم الذنب ، والمكر في اللغة ، السعي على الإنسان دون أن يظهر له ذلك ، بل أن يبطن الماكر ضد ما يبدي ، وقوله { والله خير الماكرين } معناه في أنه فاعل حق في ذلك ، والماكر من البشر فاعل باطل في الأغلب ، لأنه في الأباطيل يحتاج إلى التحيل ، والله سبحانه أشد بطشاً وأنفذ إرادة ، فهو خير من جهات لا تحصى ، لا إله إلا هو{[3204]} ، وذكر حصر عيسى عليه السلام ، وعدة أصحابه به وأمر الشبه وغير ذلك من أمره سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .


[3203]:- أذكوا العيون: بثوا الجواسيس والطلائع، وفي بعض النسخ: أذكوا له.
[3204]:- سأل رجل الجنيد فقال: كيف رضي الله لنفسه المكر وقد عاب به غيره؟ فقال: لا أدري ما تقول، ولكن أنشدني فلان الظهراني: ويقبح من سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاكا ثم قال: قد أجبتك إن كنت تعقل.