تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

54- { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } ومكر أولئك القوم الذين علم عيسى كفرهم من اليهود بأن وكلوا به من يقتله غيلة .

ومكر الله فأبطل مكرهم فلم ينجحوا فيه ورفع عليه السلام إلى السماء وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل .

قال ابن عباس لما أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى عليه السلام دخل عيسى خوخة فيها كوة فرفعه جبريل عليه السلام من الكوة إلى السماء فقال الملك لرجل خبيث منهم ادخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه ظنا منهم انه عيسى .

وقد جاء في إنجيل برنابا ما يصدق هذا المروى عن ابن عباس وفيه أيضا :

أن الخبيث هو يهوذا وكان من الحواريين المنافقين وهو الذي دلهم على مكانه وذلك ان عيسى جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم وقال ليكفرن بي أحدكم فذهب يهوذا وأخبره بمكانه ومكان حوارييه فلما توجه إليه الملك برجاله ودخلوا عليه البيت لم يجدوه فقد رفعه الله إليه وألقى شبه عيسى على يهوذا فأمر الملك بقتله فقال له أنا يهوذا ؟ فقال الملك إن كنت يهوذا فأين عيسى ؟ فقال يهوذا إن كنت عيسى فأين يهوذا ؟ فلم يعبأ الملك بهذه المعارضة وصلبه لشبهه بعيسى ومن العجيب أن النصارى لا يعترفون بهذا الإنجيل مع انه وجد بمكتبة بابا روما وترجم إلى اللغة الإيطالية ثم إلى الإنجليزية وغيرهما من لغات العالم ولم يوجد بالعربية إلا بعدما ترجم إلى اللغة الإنجليزية أخيرا .

{ مكر الله } :

المكر لغة : هو تدبير خفي يقصد به إضرار من يمكر به ولا يطلق المكر على الله إلا بأسلوب المشاكلة المعروف في علم المعاني وهو التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته وقد أطلق هنا على إنجاء الله لعيسى وانتقامه من المنافق لوقوعه في صحبة مكرهم هكذا قال طائفة من العلماء .

وقال غير واحد : المكر هو التدبير المحكم وليس بممتنع على الله تعالى وفي الحديث الشريف " رب أعني ولا تعن علي . . . وامكر لي ولا تمكر علي " . ( 170 ) .

ثم ختم الله الآية بقوله : { والله خير الماكرين } أي أقواهم وأشدهم مكرا وانه أحسنهم مكرا لبعد تدبيره عن الظلم .