الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرِينَ بعيسى عليه السلام ، فقال : { وَمَكَرُواْ } يريدُ في تحيُّلهم في قتله بزعمهم ، فهذا هو مَكْرُهُمْ فجازاهم اللَّه تعالى بأنْ طرح شَبَهَ عيسى على أحد الحواريِّين ، في قول الجمهور ، أو على يهوديٍّ منهم كَانَ جَاسُوساً ، وأعقبَ بَنِي إسرائيل مذلَّةً وهَوَاناً في الدُّنيا والآخرة ، فهذه العُقُوبة هي التي سَمَّاها اللَّه تعالى مَكْراً في قوله : { وَمَكَرَ الله }[ آل عمران :54 ] وذلك مَهْيَعٌ أنْ تسمَّى العقوبةُ باسم الذنب .

وقوله : { والله خَيْرُ الماكرين } معناه : فاعلُ حقٍّ في ذلك ، وذكر أبو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ في «تحبيره » ، قال : سُئِلَ مَيْمُونٌ ، أحسبه : ابن مِهْرَانَ ، عن قولِهِ تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله } فقال : تخليتُهُ إياهم ، مع مَكْرهم هو مَكْرُهُ بهم ، اه .

ونحوه عن الجُنَيْدِ ، قال الفَرَّاء : المَكْرُ من المخْلُوقِ الْخِبُّ والحِيلَة ، ومِنَ الإله الاِسْتِدْرَاجُ ، قال اللَّه تعالى : { سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }

[ الأعراف :182 ] قال ابن عبَّاس : كُلَّما أحْدَثُوا خطيئةً ، أحدثنا لَهُمْ نعمة ، اه .