{ وَمَكَرُواْ } : يعني كبار بني إسرائيل الذين أحسّ عيسى منهم الكفر ودبّروا في قتل عيسى . والمكر ألطف التدبير . وذلك أنّ عيسى بعد إخراج قومه إيّاه وأُمّه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهمّوا بقتله وتواطأوا على القتل . فذلك مكرهم به .
وقال أهل المعاني : المكر السعي في الفساد في ستر ومداجاة ، وأصله من قول العرب : مكر الليل .
{ وَمَكَرَ اللَّهُ } : قال الفرّاء : المكر من المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة ، وهو من اللّه استدراجه العباد . قال اللّه تعالى
{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] قال ابن عباس : معناه كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة .
قال الزجاج : مكر اللّه مجازاتهم على مكرهم فسمّى باسم الابتداء كقوله :
{ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] ، وقوله : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] .
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا عبد اللّه محمد بن عبدالله البغدادي يقول : سأل رجل جُنيداً كيف رضي المكر لنفسه ، وقد عاب به غيره ؟ فقال : لا أدري ما يقول ولكن لسيد بني [ . . . . . . ] الطبرانية :
فديتك قد جعلت على هواكا *** فنفسي لا تنازعني سواكا
أحبُك لا ببعضي بل بكلي *** وإن لم يُبق حبك لي حراكا
ويقبح [ من ] سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا
فقال الرجل : أسألك عن آية من كتاب اللّه وتجيبني بشعر الطبرانية فقال : ويحك قد أجبتك إن كنت تعقل .
إن تخليته إيّاهم مع المكر به . مكر منه بهم ، ومكر اللّه تعالى خاص بهم في هذه الآية إلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل وصلب ورفع عيسى إلى السماء .
قال ابن عباس : إنّ ملك بني إسرائيل أراد قتل عيسى ، وقصده أعوانه . فدخل خوخة فيها كوّة ، فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء . فقال الملك لرجل منهم خبيث : ادخل عليه فاقتله ، فدخل الخوخة فألقى اللّه عليه شبه عيسى فخرج إلى النّاس فخبرّهم أنّه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه وظنّوا أنّه عيسى .
وقال وهب : طرقوا عيسى في بعض الليل فأسروه ونصبوا خشبة ليصلبوه ؛ فلمّا أرادوا صلبه أظلمت الأرض وأرسل اللّه الملائكة فحالوا بينهم وبينه وصلبوا مكانه رجلاً يقال له يهودا وهو الذي دلّهم عليه . وذلك أنّ عيسى جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم ، ثم قال : ليكفرنّ أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة . فخرجوا وتفرّقوا ، وكانت اليهود تطلبه . فأتى أحد الحواريين إلى الجنود فقال لهم : ماتجعلون لي إن دللتكم على المسيح ؟ فجعلوا له مائتين درهماً فأخذها ودلّهم عليه فألقى اللّه عليه شبه عيسى لمّا دخل البيت . فرُفع عيسى ، وأُخذ الذي دلّهم عليه فقال : أنا الذي دللتكم عليه ، فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه ، وهم يظنّون أنّه عيسى . فلمّا صُلب شبه عيسى جاءت أُم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأ لها ابنة من الجنون تبكيان عند المصلوب فجاءهما عيسى فقال لهما : علام تبكيان ؟ فقالتا : عليك . فقال : إنّ اللّه قد رفعني ولم يصبني إلاّ خير وأنّ هذا الصبّي شُبّه لهم . فلما كان بعد سبعة أيّام . قال اللّه عز وجّل لعيسى : اهبط على مريم في المحراب موضع لأمّه في خبائها فإنّها لم يبك عليك أحد بكاها ، ولم يحزن عليك أحد حزنها .
ثم لتجمع لك الحواريين حيث هم في الأرض . دعاه اللّه تعالى فأهبط اللّه عليها فاشتعل الجبل حين هبط نوراً فجمعت له الحواريين حيث هم في الأرض دعاه اللّه تعالى ثم رفعه إليه . وتلك الليلة هي الليلة التي يدخن فيها النّصارى ، فلمّا أصبح الحواريون حدّث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } .
{ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أي أفضل المعاقبين . قال أهل التواريخ : حملت مريم بعيسى ولها ثلاثة عشر سنة ودارت بعيسى بيت اللحم من أرض أورشليم لمضي خمسة وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل . ولإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الكلدانيين وأوحى اللّه عز وجّل لأُمّه على رأس ثلاثين سنة ، ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين ، وعاشت أُمّه مريم بعد رفعه ستّ سنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.