فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (54)

( ومكروا ) أي الذين أحس عيسى منهم الكفر وهم كفار بني إسرائيل إذ وكلوا به من يقتله غيلة أي خفية ( ومكر الله ) هو استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون ، قاله الفراء وغيره ، وقال الزجاج مكر الله مجازاتهم على مكرهم . فسمى الجزاء باسم الابتداء كقوله تعالى ( الله يستهزئ بهم ) وهو خادعهم . وأصل المكر في اللغة الاغتيال والخدع . حكاه ابن فارس . وعلى هذا فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة ، وقيل مكر الله هنا إلقاء شبه عيسى على غيره ورفع عيسى إليه .

أخرج ابن جرير عن السدى قال إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت ، فقال عيسى لأصحابه من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة فأخذها رجل منهم ، وصعد بعيسى إلى السماء فذلك قوله ( ومكروا ومكر الله ) ( والله خير الماكرين ) أي أقوالهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله من حيث لا يحتسب .