يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها ، وأنها لا دوام لها ، وغاية ما فيها لهو ولعب : { وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ } أي : الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء ، بل هي مستمرة أبد الآباد .
وقوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي : لآثروا ما يبقى على ما يفنى .
{ وما هذه الحياة الدنيا } إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة . { إلا لهو ولعب } إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين . { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها ، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة ، و{ الحيوان } مصدر حي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا . { لو كانوا يعلمون } لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال .
هذا الكلام مبلَّغ إلى الفريقين اللذين تضمنهما قوله تعالى : { بل أكثرهم لا يعقلون } [ العنكبوت : 63 ] فإن عقلاءهم آثروا باطل الدنيا على الحق الذي وضح لهم ، ودهماءهم لم يشعروا بغير أمور الدنيا ، وجميعهم أنكروا البعث فأعقب الله ما أوضحه لهم من الدلائل بأن نبههم على أن الحياة الدنيا كالخيال وأن الحياة الثانية هي الحياة الحق . والمراد بالحياة ما تشتمل عليه من الأحوال وذلك يسري غلى الحياة نفسها .
واللهو : ما يلهو به الناس ، أي يشتغلون به عن الأمور المكدرة أو يعْمرون به أوقاتهم الخلية عن الأعمال .
واللعب : ما يقصد به الهزل والانبساط . وتقدم تفسير اللعب واللهو ووجه حصر الحياة الدنيا فيهما عند قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } في سورة الأنعام [ 32 ] . والحصر : ادعائي كما تقدم . وقد زادت هذه الآية بتوجيه اسم الإشارة إلى الحياة وعهي إشارة تحقير وقلة اكتراث ، كقول قيس بن الخطيم مشيراً إلى الموت :
متى يأت هذا الموتُ لا يُلف حَاجة *** لنفسيَ إلا قَد قضيتُ قضاءها
ولم توجه الإِشارة إلى الحياة في سورة الأنعام . ووجه ذلك أن هذه الآية لم يتقدم فيها ما يقتضي تحقير الحياة فجيء باسم الإِشارة لإفادة تحقيرها ، وأما آية سورة الأنعام فتقدم قوله : { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما قرطنا فيها } [ الأنعام : 31 ] فذُكر لهم في تلك الآية ما سيظهر لهم إذا جاءتهم الساعة من ذهاب حياتهم الدنيا سُدى . وأمر تقديم ذكر اللهو هنا وذكر اللعب في سورة الأنعام فلأن آية سورة الأنعام لم تشتمل على اسم إشارة يقصد منه تحقير الحياة الدنيا فكان الابتداء بأنها لعب مشيراً إلى تحقيرها لأن اللعب أعرق في قلة الجدوى من اللهو .
ولما أشير في هذه الآية إلى الحياة الآخرة في قوله { فأحيا به الأرض من بعد موتها } [ العنكبوت : 63 ] زاده تصريحاً بأن الحياة الآخرة هي الحياة الحق فصيغ لها وزن الفعلان الذي هو صيغة تنبئ عن معنى التحرك توضيحاً لمعنى كمال الحياة بقدر المتعارف ، فإن التحرك والاضطراب أمارة على قوة الحيوية في الشيء مثل الغليان واللهبان . وهم قد جهلوا الحياة الآخرة من أصلها فلذلك قالوا { لو كانوا يعلمون } . وجواب { لو } محذوف دليله ما تقدم ، أو هو الجواب مقدّماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.