المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

36- وإذا أذقنا الناس نعمة فرحوا بها فرحاً يُبطرهم ، وإن تصبهم شدة بسبب ما اقترفوا من ذنوب يسارع إليهم اليأس من الرحمة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

ثم قال : { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } ، هذا إنكار على الإنسان من حيث هو ، إلا مَنْ عَصَمه الله ووفقه ؛ فإن الإنسان إذا أصابته نعمة بَطر وقال : { ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [ هود : 10 ] ، أي : يفرح في نفسه ويفخر على غيره ، وإذا أصابته شدة قَنط وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية ؛ قال الله : { إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [ هود : 11 ] ، أي : صبروا في الضراء ، وعملوا الصالحات في الرخاء ، كما ثبت في الصحيح : " عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضَرَّاء{[22859]} صبر فكان خيرًا له " {[22860]} .


[22859]:- في ت: "الضراء".
[22860]:- صحيح مسلم برقم (2999) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

{ وإذا أذقنا الناس رحمة } نعمة من صحة وسعة . { فرحوا بها } بطروا بسببها . { وإن تصبهم سيئة } شدة . { بما قدمت أيديهم } بشؤم معاصيهم . { إذا هم يقنطون } فاجؤوا القنوط من رحمته وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر النون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

لما ذكر تعالى حالة الناس متى تأتيهم شدة وضر ونجوا منه إلى سعة ذكر في هذه الآية الأمر أيضاً من الطرف الآخر بأن تنال الرحمة ثم تعقب الشدة فلهم في الرتبة الأولى تضرع ثم إشراك وقلة شكر ، ولهم في هذه فرج وبطر ثم قنط ويأس ، وكل أحد يأخذ من هذه الخلق بقسط ، والمقل والمكثر إلا من ربطت الشريعة جأشه ونهجت السنة سبيله وتأدب بأدب الله تعالى ، فصبر عند الضراء ، وشكر عند السراء ، ولم يبطر عند النعمة ، ولا قنط عند الابتلاء ، وقوله تعالى : { بما قدمت أيديهم } أي إن الله يمتحن الأمم ويصيب منهم عند فشو المعاصي وظهور المناكر ، وكذلك قد يصاب شخص بسوء أعماله يسيء وحده ويصاب وحده ، وفي الأغلب يعفو الله عن كثير ، و «القنط » اليأس الصريح ، وقرأ أبو عمرو وجماعة «يقنِطون » بكسر النون ، وقرأ نافع والحسن و جماعة «يقنَطون » بفتحها ، وجواب الشرط في قوله { إن تصبهم } قوله { إذا هم يقنطون } وذلك أنها للمفاجأة لا يبتدأ بها ، فهي بمنزلة الفاء لا يبتدأ بها ويجاب بها الشرط ، وأما «إذا » التي للشرط أو التي فيها معنى الشرط فهما يبدأ بهما ولا يكون فيهما جواب الشرط .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ فَرِحُواْ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ} (36)

أعيد الكلام على أحوال المشركين زيادة في بسط الحالة التي يتلقون بها الرحمة وضدها تلقياً يستوون فيه بعد أن مُيز فيما تقدم حال تلقي المشركين للرحمة بالكفران المقتضي أن المؤمنين لا يتلقونها بالكفران . فأريد تنبيههم هنا إلى حالة تلقيهم ضد الرحمة بالقنوط ليحذروا ذلك ويرتاضوا برجاء الفرج والابتهال إلى الله في ذلك والأخذ في أسباب انكشافها . والرحمة أطلقت على أثر الرحمة وهو المنافع والأحوال الحسنة الملائمة كما ينبني عنه مقابلتها بالسيئة وهي ما يسوء صاحبه ويحزنه فالمقصد من هذه الآية تخلق المسلمين بالخلق الكامل ، ف { الناس } مراد به خصوص المشركين بقرينة أن الآية ختمت بقوله { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } .

وقدمت في هذه الآية إصابة الرحمة على إصابة السيئة عكسَ التي قبلها للاهتمام بالحالة التي جُعلت مبدأ العبرة وأصل الاستدلال ، فقوله { فرحوا بها } وصف لحال الناس عندما تصيبهم الرحمة ليبنَى عليه ضده في قوله { إذا هم يقنطون } لما يقتضيه القنوط من التذمر والغضب ، فليس في الكلام تعريض بإنكار الفرح حتى نضطر إلى تفسير الفرح بالبطر ونحوه لأنه عدول عن الظاهر بلا داع . والمعنى : أنهم كما يفرحون عند الرحمة ولا يخطر ببالهم زوالها ولا يحزنون من خشيته ، فكذلك ينبغي أن يصبروا عندما يمسهم الضر ولا يقنطوا من زواله لأن قنوطهم من زواله غير جار على قياس حالهم عندما تصيبهم رحمة حين لا يتوقعون زوالها ، فالقنوط هو محل الإنكار عليهم وهذا كقوله تعالى { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسَّه الشرُّ فيؤوس قنوط } [ فصلت : 49 ] في أن محل التعجيب هو اليأس والقنوط ، وتقدم ذكر الإذاقة آنفاً . والقنوط : اليأس ، وتقدم في سورة الحجر ( 55 ) عند قوله تعالى { فلا تكن من القانطين } وأدمج في خلال الإنكار عليهم قوله { بما قدمت أيديهم } لتنبيههم إلى أن ما يصيبهم من حالة سيئة في الدنيا إنما سببها أفعالهم التي جعلها الله أسباباً لمسببات مؤثرة لا يحيط بأسرارها ودقائقها إلا الله تعالى ، فما على الناس إلا أن يحاسبوا أنفسهم ويجروا أسباب إصابة السيئات ، ويتداركوا ما فات ، فذلك أنجى لهم من السيئات وأجدر من القنوط . وهذا أدب جليل من آداب التنزيل قال تعالى { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [ النساء : 79 ] .

وقرأ الجمهور { يقنَطون } بفتح النون على أنه مضارع قَنِط من باب حسِب . وقرأه أبو عمرو والكسائي بكسر النون على أنه مضارع قَنط من باب ضرب وهما لغتان فيه .

ثم أنكر عليهم إهمال التأمل في سنّة الله الشائعة في الناس : من لحاق الضر وانفراجه ، ومن قسمة الحظوظ في الرزق بين بسط وتقتير فإنه كثير الوقوع كل حين فكما أنهم لم يقنطوا من بسط الرزق عليهم في حين تقتيره فكدحوا في طلب الرزق بالأسباب والدعاء فكذلك كان حقهم أن يتلقوا السوء النادر بمثل ما يتلقون به ضيق الرزق ، فيسعَوا في كشف السيئة بالتوبة والابتهال إلى الله وبتعاطي أسباب زوالها من الأسباب التي نصبها الله تعالى .