المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

118- هذا ويمعن المشركون من العرب في عنادهم لمحمد ، فيطلبون إليه مثل ما طلبته الأمم السابقة من أنبيائهم ، فقد قالوا : إنهم لم يؤمنوا به إلا إذا كلمهم الله وجاءتهم آية حسية تدل على صدقه ، كما قال بنو إسرائيل لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله ويكلمنا ، وكما طلب أصحاب عيسى منه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، وما ذلك إلا لأن قلوب الكفار والمعاندين في كل أمة متشابهة ، وأنه لا يستبين الحقَّ إلا من صفت بصائرهم وأذعنت عقولهم لليقين ، وطلبت الحق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رافع بن حُرَيملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، إن كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فَلْيُكَلمْنا حتى نسمع كلامه . فأنزل الله في ذلك من قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ }

وقال مجاهد [ في قوله ]{[2605]} { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } قال : النصارى تقوله .

وهو اختيار ابن جرير ، قال : لأن السياق فيهم . وفي ذلك نظر .

[ وحكى القرطبي { لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ } أي : لو يخاطبنا بنبوتك يا محمد ، قلت : وظاهر السياق أعم ، والله أعلم ]{[2606]} .

وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي في تفسير هذه الآية : هذا قول كفار العرب { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ [ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ] {[2607]} } قالوا : هم اليهود والنصارى . ويؤيد هذا القول ، وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب ، قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } [ الأنعام : 123 ] .

وقوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا } [ الإسراء : 90 - 93 ] ، وقوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } [ الفرقان : 21 ] ، وقوله : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به ، إنما هو الكفر والمعاندة ، كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم ، كما قال تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] وقال تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً }

[ البقرة : 55 ] .

وقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : أشبهت قُلُوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو ، كما قال تعالى : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 52 ، 53 ] .

وقوله : { قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي : قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى ، لمن أيقن{[2608]} وصدق واتبع الرسل ، وفهم ما جاؤوا به عن الله تبارك وتعالى . وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين قال الله تعالى فيهم : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] .


[2605]:زيادة من أ.
[2606]:زيادة من جـ، ط.
[2607]:زيادة من جـ.
[2608]:في أ: "لمن اتقى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيّنّا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ } فقال بعضهم : عنى بذلك النصارى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز :

{ وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلّمُنا اللّهُ أوْ تَأتِينا آيَةٌ } قال : النصارى تقولُه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله وزاد فيه { وَقَالَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } : النّصَارَى .

وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير . وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت رسولاً من عند الله كما تقول ، فقل لله عز وجلّ فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ أوْ تَأتِينَا آيَةٌ }الآية كلها .

وقال آخرون : بل عنى بذلك مشركي العرب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ أوْ تَأتِينا آيَةٌ }وهم كفار العرب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ } قال : هم كفار العرب .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ }أما الذين لا يعلمون : فهم العرب .

وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل : إن الله تعالى عنى بقوله : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } : النصارى دون غيرهم لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادّعائهم له ولدا . فقال جل ثناؤه ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقوله : اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلاً منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون : لولا يكلمنا الله كما يكلم رسوله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آيةً معجزةً على دعوى مدّعٍ إلا لمن كان محقّا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده . فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادّعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله جل ثناؤه ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه . وقال الزاعم : إن الله عنى بقوله : وَقَال الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ : العرب ، فإنه قائل قولاً لا خبر بصحته ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب . والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطؤه ، لأنه ادّعى ما لا برهان على صحته ، وادّعاءُ مثل ذلك لن يتعذّر على أحد .

وأما معنى قوله : { لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ }فإنه بمعنى : هلاّ يكلمنا الله كما قال الأشهب بن رميلة :

تَعُدّونَ عَقْرَ النّيبِ أفْضَلَ مَجْدِكُمْ بَنِي ضَوْطَرَي لَوْلاَ الكَميّ المُقَنّعا

بمعنى : فهلاّ تعدّون الكمي المقنع ؟ كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { لَوْلا يُكَلّمُنَا اللّهُ }قال : فهلاّ يكلمنا الله .

قال أبو جعفر : فأما الآية فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة . وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : هلاّ تأتينا آية على ما نريده ونسأل ، كما أتت الأنبياء والرسل فقال عز وجلّ : { كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } .

القول في تأويل قوله تعالى : { كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } .

اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : { كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } ، فقال بعضهم في ذلك بما :

حدثني به محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ }هم اليهود .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }اليهود .

وقال آخرون : هم اليهود والنصارى ، لأن الذين لا يعلمون هم العرب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : { قالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }يعني اليهود والنصارى وغيرهم .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : قالوا يعني العرب ، كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ }يعني اليهود والنصارى .

قال أبو جعفر : قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : { وقَالَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلّمُنَا اللّهُ }هم النصارى ، والذين قالت مثل قولهم هم اليهود ، وسألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة ، وأن يسمعهم كلام ربهم ، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ، وسألوا من الاَيات ما ليس لهم مسألته تحكّما منهم على ربهم ، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الاَيات . فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها ، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله . فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه ، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفِرْيَة عليه ، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام . وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ }قلوب النصارى واليهود .

وقال غيره : معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { تَشَابَهت قلوبُهم } يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ }يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

وغير جائز في قوله : تَشَابَهَتْ التثقيل ، لأن التاء التي في أوّلها زائدة أدخلت في قوله : «تفاعل » ، وإن ثقلت صارت تاءين ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد ، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما ، لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال ، والأخرى منها التي في «تفاعل » ، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل فيقال : تشابه بعد اليوم قلوبنا . فمعنى الآية : وقالت النصارى الجهال بالله وبعظمته : هلاّ يكلمنا الله ربنا كما كلم أنبياءه ورسله ، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد ؟ قال الله جل ثناؤه : فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم . قال مَنْ قبلهم من اليهود ، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة ، ويؤتيهم آية ، واحتكموا عليه وعلى رسله ، وتمنوا الأماني . فاشتهبت قلوب اليهود والنصارى في تمرّدهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله ، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها .

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ بَيّنا الاَياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .

يعني جل ثناؤه بقوله : { قَدْ بَيّنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }قد بينا العلامات التي من أجلها غضب الله على اليهود وجعل منهم القردة والخنازير ، وأعدّ لهم العذاب المهين في معادهم ، والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا ، وأعدّ لهم الخزي والعذاب الأليم في الاَخرة ، والتي من أجلها جعل سكان الجنان الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها . فاعْلِموا الأسباب التي من أجلها استحقّ كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك ، وخصّ الله بذلك القوم الذين يوقنون لأنهم أهل التثبت في الأمور ، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة . فأخبر الله جل ثناؤه أنه بيّن لمن كانت هذه الصفة صفته ما بيّن من ذلك ليزول شكه ، ويعلم حقيقة الأمر إذْ كان ذلك خبرا من الله جل ثناؤه ، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشكّ فيه . وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب ، وذلك منفيّ عن خبر الله عز وجل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

{ وقال الذين لا يعلمون } أي جهلة المشركين ، أو المتجاهلون من أهل الكتاب . { لولا يكلمنا الله } هلا يكلمنا الله كما يكلم الملائكة ، أو يوحي إلينا بأنك رسوله . { أو تأتينا آية } حجة على صدقك ، والأول استكبار والثاني جحود ، لأن ما أتاهم آيات الله استهانة به وعنادا ، { كذلك قال الذين من قبلهم } من الأمم الماضية { مثل قولهم } فقالوا : { أرنا الله جهرة } . { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } { تشابهت قلوبهم } قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد . وقرئ بتشديد الشين . { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } أي يطلبون اليقين ، أو يوقنون الحقائق لا يعتريهم شبهة ولا عناد . وفيه إشارة إلى أنهم ما قالوا ذلك لخفاء في الآيات أو لطلب مزيد اليقين ، وإنما قالوه عتوا وعنادا .