إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

{ وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ } حكاية لنوعٍ آخرَ من قبائحهم وهو قدحُهم في أمر النبوة بعد حكاية قدحِهم في شأن التوحيد بنسبة الولدِ إليه سبحانه وتعالى ، واختُلف في هؤلاء القائلين : فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم اليهودُ وقال مجاهد : هم النصارى ووصفُهم بعدم العلم لعدم علمِهم بالتوحيد والنبوة كما ينبغي ، أو لعدم علمِهم بموجب عمَلِهم أو لأن ما يحكى عنهم لا يصدرُ عمن له شائبةُ علمٍ أصلاً . وقال قتادةُ : وأكثرُ أهل التفسير هم مشركو العربِ لقوله تعالى : { فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } [ الأنبياء ، الآية 5 ] وقالوا : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا }

[ الفرقان ، الآية 21 ] { لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله } أي هلا يكلمُنا بلا واسطة أمراً ونهياً كما يكلم الملائكةَ أو هلا يكلمنا تنصيصاً على نُبوَّتِك { أو تأتينا آية } حجةٌ تدل على صدقك . بلغوا من العُتوِّ والاستكبار إلى حيث أمّلوا نيلَ مرتبةِ المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسولِ والملَك ، ومن العنادِ والمكابرة إلى حيث لم يعُدّوا ما آتاهم من البينات الباهرة التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال من قَبيل الآيات ، قاتلهم الله أنى يؤفكون . { كذلك } مثلَ ذلك القولِ الشنيعِ الصادرِ عن العِناد والفساد { قَالَ الذين مِن قَبْلِهِم } من الأمم الماضية { مثْلَ قَوْلِهِمْ } هذا الباطلِ الشنيعِ فقالوا : { أَرِنَا الله جَهْرَةً }

[ النساء ، الآية 153 ] وقالوا : { لَن نصْبِرَ على طَعَامٍ واحد } [ سورة البقرة ، الآية 61 ] الآية وقالوا : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } [ المائدة ، الآية 112 ] الخ وقالوا { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا } [ سورة الأعراف ، الآية 138 ] الخ { تشابهت قُلُوبُهُمْ } أي قلوبُ هؤلاءِ وأولئك في العمى والعِناد وإلا لما تشابهت أقاويلُهم الباطلة { قَدْ بَيَّنَّا الآيات } أي نزلناها بينةً بأن جعلناها كذلك في أنفسِها كما في قولهم : سُبحان مَنْ صغّر البعوضَ وكبَّر الفيلَ لا أنا بيناها بعد أن لم تكن بينةً { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي يطلُبون اليقين ويوقنون بالحقائق لا يعتريهم شُبهةٌ ولا رِيبة ، وهذا ردٌّ لطلبهم الآيةَ ، وفي تعريف الآياتِ وجمعِها وإيرادِ النبيين المُفصِح عن كمال التوضيح مكانَ الإتيان الذي طلبوه ما لا يخفى من الجزالة ، والمعنى أنهم اقترحوا آيةً فذَّةً ونحن قد بينا الآياتِ العظامَ لقوم يطلُبون الحقَّ واليقين ، وإنما لم يُتعرَّضْ لرد قولِهم : { لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله } [ سورة البقرة ، الآية 118 ] إيذانا بأنه من ظهور البطلان بحيث لا حاجة له إلى الرد والجواب .