الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

قوله تعالى : { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية } قال ابن عباس : هم اليهود . مجاهد : النصارى ، ورجحه الطبري ؛ لأنهم المذكورون في الآية أولا . وقال الربيع والسدي وقتادة : مشركو العرب . و{ لولا } بمعنى :هلا ، تحضيض ، كما قال الأشهب بن رميلة{[1121]} :

تعُدُّون عَقْرَ النِّيب أفضل مجدكم*** بَنِي ضَوْطَرَى لولا الكَمِيّ المُقَنَّعَا

وليست هذه " لولا " التي تعطي منع الشيء لوجود غيره ، والفرق بينهما عند علماء اللسان أن " لولا " بمعنى التحضيض لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مقدرا ، والتي للامتناع يليها الابتداء ، وجرت العادة بحذف الخبر . ومعنى الكلام هلا يكلمنا الله بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنعلم أنه نبي فنؤمن به ، أو يأتينا بآية تكون علامة على نبوته . والآية : الدلالة والعلامة ، وقد تقدم{[1122]} . { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } ،

{ الذين من قبلهم } اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب ، أو الأمم السالفة في قول من جعل{ الذين لا يعلمون } اليهود والنصارى ، أو اليهود في قول من جعل " الذين لا يعلمون " النصارى . " تشابهت قلوبهم " قيل : في التعنيت والاقتراح وترك الإيمان . وقال الفراء . { تشابهت قلوبهم } في اتفاقهم على الكفر . { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } تقدم{[1123]} .


[1121]:كذا في الأصول. وقال البغدادي صاحب خزانة الأدب: نسبة ابن الشجري في أماليه للأشهب، والصحيح أنه من قصيدة لجرير، لا خلاف بين الرواة أنها له، وهي جواب عن قصيدة تقدمت للفرزدق على قافيتها". وقضية عقر الإبل مشهورة في التواريخ. والنيب (بكسر النون وسكون الياء جمع ناب): الناقة المسنة: وضوطرى: قيل الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناء عنده. وقيل: الحمقى. والكمي: الشجاع. والمقنع: الذي على رأسه البيضة والمغفر. راجع خزانة الأدب في الشاهد الرابع والستين بعد المائة. وكتاب المغنى في "لولا"والنقائض ص 833 طبع أوربا،وذيل أمالي القالي.
[1122]:راجع ج 1 ص 666 طبعة ثانية.
[1123]:راجع ج 1 ص 180 طبعة ثانية.