30- وقيل للذين آمنوا باللَّه وابتعدوا عما يغضبه من قول أو فعل أو عقيدة : ما الذي أنزله ربكم على رسوله ؟ قالوا : أنزل عليه القرآن ، فيه خير الدنيا والآخرة للناس جميعا ، فكانوا بذلك من المحسنين . واللَّه - سبحانه - يكافئ المحسنين بحياة طيبة في هذه الحياة الدنيا ، ويكافئهم في الآخرة بما هو خير وأحسن مما نالوه في الدنيا . ولنعم الدار التي يقيم فيها المتقون في الآخرة .
هذا خبر عن السعداء ، بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء ، فإن أولئك قيل لهم : { مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ } فقالوا معرضين عن الجواب : لم{[16405]} ينزل شيئًا ، إنما هذا{[16406]} أساطير الأولين . وهؤلاء { قَالُوا خَيْرًا } أي : أنزل خيرا ، أي : رحمة وبركة وحسنًا لمن اتبعه وآمن به .
ثم أخبروا عما وعد الله [ به ]{[16407]} عباده فيما أنزله على رسله فقالوا : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ } كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] ، أي : من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة .
ثم أخبر بأن دار الآخرة خير ، أي : من الحياة الدنيا ، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا ، كما قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ } [ القصص : 80 ]{[16408]} وقال تعالى : { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ } [ آل عمران : 198 ] وقال تعالى { وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ الأعلى : 17 ] ، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم{[16409]} : { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى } [ الضحى : 4 ] .
ثم وصفوا الدار الآخرة فقالوا{[16410]} : { وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الْدّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتّقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وقيل للفريق الاَخر الذين هم أهل إيمان وتقوى لله : ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ قالُوا خَيْرا يقول : قالوا : أنزل خيرا . وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يقول : إنما اختلف الأعراب في قوله : قالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ ، وقوله : خَيْرا ، والمسئلة قبل الجوابين كليهما واحدة ، وهي قوله : ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ لأن الكفار جحدوا التنزيل ، فقالوا حين سمعوه : أساطير الأوّلين ، أي هذا الذي جئت به أساطير الأوّلين ولم ينزل الله منه شيئا . وأما المؤمنون فصدّقوا التنزيل ، فقالوا خيرا بمعنى أنه أنزل خيرا ، فانتصب بوقوع الفعل من الله على الخير ، فلهذا افترقا ثم ابتدأ الخبر فقال : لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنْيا حَسَنَةٌ . وقد بيّنا
القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .
وقوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنْيا حَسَنَةٌ يقول تعالى ذكره : للذين آمنوا بالله في هذه الدنيا ورسوله وأطاعوه فيها ودعوا عباد الله إلى الإيمان والعمل بما أمر الله به حَسَنَةٌ يقول : كرامة من الله ، وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ يقول : ولدار الاَخرة خير لَهُمْ مِنْ دَارِ الدّنْيا ، وكرامة الله التي أعدّها لهم فيها أعظم من كرامته التي عجلها لهم في الدنيا وَلَنِعْمَ دَارُ المُتّقينَ يقول : ولنعم دار الذين خافوا الله في الدنيا فاتقوا عقابه بأداء فرائضه وتجنب معاصيه دار الاَخرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقُوا ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ قالُوا خَيْرا لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنْيا حَسَنَةٌ وهؤلاء مؤمنون ، فيقال لهم : ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ فيقولون خَيْرا لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنْيا حَسَنَةٌ : أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله ، وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.