إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (30)

{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا } أي المؤمنين ، وُصفوا بالتقوى إشعاراً بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشئ عن التقوى { مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } سلكوا في الجواب مسلك السؤالِ من غير تلعثم ولا تغييرٍ في الصورة ، والمعنى أي أنزل خيراً فإنه جوابٌ مطابق للسؤال ولسبك الواقع في نفس الأمر مضموناً ، وأما الكفرةُ فإنهم خذلهم الله تعالى كما غيروا الجوابَ عن نهج الحق الواقعِ الذي ليس له من دافع غيّروا صورتَه وعدَلوا بها عن سَنن السؤال حيث رفعوا الأساطير رَوماً لما مر من إنكار النزول . رُوي أن أحياءَ العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي عليه السلام ، فإذا جاء الوافد كفّه المقتسمون وأمروه بالانصراف وقالوا : إن لم تلْقَه كان خيراً لك ، فيقول : أنا شرُّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمرَ محمد وأراه فيلقى أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فيخبرونه بحقيقة الحالِ فهم الذين قالوا خيراً { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي أعمالَهم أو فعلوا الإحسانَ { في هذه } الدار { الدنيا حَسَنَةٌ } أي مثوبةٌ حسنةٌ مكافأة فيها { وَلَدَارُ الآخرة } أي مثوبتُهم فيها { خَيْرٌ } مما أوتوا في الدنيا من المثوبة أو خيرٌ على الإطلاق فيجوز إسنادُ الخيرية إلى نفس دارِ الآخرة { وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين } أي دار الآخرة ، حذف لدلالة ما سبق عليه وهذا كلام مبتدأ مدَح الله تعالى به المتقين وعدّ جوابَهم المَحْكيَّ من جملة إحسانِهم ووعدهم بذلك ثوابي الدنيا والآخرة فلا محل له من الإعراب ، أو بدلٌ من خيراً أو تفسير له أي أنزل خيراً هو هذا الكلامُ الجامعُ ، قالوه ترغيباً للسائل .