الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (30)

قوله تعالى : { خَيْراً } : خيراً : العامَّةُ على نَصْبِه ، أي : أَنْزل خيراً . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : لِمَ قلتَ : لِمَ رَفَعَ الأولَ ونَصَبَ هذا ؟ قلت : فصلاً بين جواب المُقِرِّ وجوابِ الجاحد " . يعني أن هؤلاء لمَّا سُئِلوا لم يَتَلَعْثموا ، وأطبقوا الجوابَ على السؤال بَيِّنا مكشوفاً مفعولاً للإِنزال فقالوا : خيراً ، وأولئك عَدَلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطيرُ الأولين ، وليس هو من الإِنزال في شيء .

وزيدُ بن علي : " خيرٌ " بالرفع ، أي : المُنْزَل خيرٌ ، وهي مؤيدةٌ لجَعْلِ " ذا " موصولةً ، وهو الأحسنُ لمطابقة الجوابِ لسؤاله ، وإن كان العكسُ جائزاً ، وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة .

قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } هذه الجملةُ يجوز فيها أوجهٌ ، أحدها : أن تكونَ منقطعةً مِمَّا قبلها ، إخبارَ استئنافٍ بذلك . الثاني : أنها بدلٌ مِنْ " خيراً " . قال الزمخشري : " هو بدل من " خيراً " حكايةً لقول الذين اتَّقَوْا ، أي : قالوا هذا القولَ فقدَّم تسميتَه خيراً ثم حكاه " . الثالث : أن هذه الجملةَ تفسيرٌ لقوله : " خيراً " ؛ وذلك أن الخيرَ هو الوحيُ الذي أَنْزل الله فيه : مَنْ أَحْسَنَ في الدنيا بالطاعة حسنةٌ في الدنيا وحسنةٌ في الآخرة .

وقوله : { فِي هذِهِ الْدُّنْيَا } الظاهرُ تعلُّقه ب " أَحْسَنوا " ، أي : أَوْقَعوا الحسنةَ في دار الدنيا . ويجوز أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حال مِنْ " حَسَنَة " إذ لو تأخَّر لكان صفةً لها ، ويَضْعُفُ تعلُّقه بها نفسِها لتقدُّمِه عليها .