السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (30)

ولمّا بيّن تعالى أحوال المكذبين ذكر أحوال الصدّيقين بقوله تعالى : { وقيل للذين اتقوا } أي : خافوا عقاب الله { ماذا } أي : أيّ شيء { أنزل ربكم قالوا خيراً } أي : أنزل خيراً وذلك أنّ أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه فيقولون : ساحر شاعر كذاب مجنون ولو لم تلقه خير لك فيقول السائل : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة وألقاه فيدخل مكة فيرى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه ، وأنه نبيّ مبعوث من الله تعالى فذلك قوله تعالى : { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم } الآية فإن قيل : لم رفع الأول وهو قولهم أساطير الأوّلين ونصب الثاني وهو قولهم خيراً أجيب : بأنه ذكر ذلك للفصل بين جواب المقرّ وجواب الجاحد ، وذلك أنهم لمّا سألوا الكفار عن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا أساطير الأولين وليس هو من الإنزال في شيء لأنهم لم يعتقدوا كونه منزلاً . ولمّا سألوا المؤمنين عن المنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتلعثموا ، وطابقوا الجواب عن السؤال بيناً مكشوفاً مفعولاً للإنزال ، فقالوا : { خيراً } أي : أنزل خيراً ، وتمّ الكلام عند قوله { خيراً } فهو وقف تامّ ، ثم ابتدأ بقوله تعالى : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي : حياة طيّبة أو أنّ للذين أتوا بالأعمال الصالحات الحسنة لهم ثوابها حسنة مضاعفة من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، أو أنه تعالى بيّن أنّ اعترافهم بذلك الإحسان في هذه الدنيا حسنة أي : جزاء لهم على إحسانهم { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } [ الرحمن ، 60 ] ولما كانت هذه الدار سريعة الزوال أخبر عن حالهم في الآخرة فقال : { ولدار الآخرة } أي : الجنة { خير } أي : ما أعدّ الله لهم في الجنة خير مما حصل لهم في الدنيا ، ثم مدحها ومدحهم بقوله تعالى : { ولنعم دار المتقين } أي : دار الآخرة ، فحذف لتقدّم ذكرها وقال الحسن : هي الدنيا لأنّ أهل التقوى يتزوّدون فيها للآخرة .