الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (30)

{ خَيْرًا } أنزل خيراً

فإن قلت : لم نصب هذا ورفع الأول ؟ قلت : فصلا بين جواب المقرّ وجواب الجاحد ، يعني أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا ، وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفاً مفعولاً للإنزال ، فقالوا خيراً : أي أنزل خيراً ، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأوّلين ، وليس من الإنزال في شيء . وروي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون وأمروه بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيراً لك ، فيقول : أنا شرّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه ، فيلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه ، وأنه نبيّ مبعوث ، فهم الذين قالوا خيراً . وقوله : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } وما بعده بدل من خيراً ، حكاية لقوله : { لّلَّذِينَ اتقوا } أي : قالوا هذا القول ، فقدّم عليه تسميته خيراً ثم حكاه . ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ عدة للقائلين ، ويجعل قولهم من جملة إحسانهم ويحمدوه عليه { حَسَنَةٌ } مكافأة في الدنيا بإحسانهم ، ولهم في الآخرة ما هو خير منها ، كقوله { فاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة } [ آل عمران : 148 ] { وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين } دار الآخرة ، فحذف المخصوص بالمدح لتقدّم ذكره .