قوله تعالى : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } الآية .
لما بين أحوال الكافرين ، أتبعه ببيان أحوال المؤمنين .
قال القاضي [ المتقي هو : ]{[19800]} تارك جميع المحرَّمات وفاعل جميع الواجبات .
وقال غيره : المتَّقي : هو الذي يتَّقي الشرك .
قوله : " خَيْراً " العامة على نصبه ، أي : أنزل خيراً .
قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : لِمَ رفع " أسَاطِيرُ الأولين " ونصب هذا ؟ .
قلت : فصلاً بين جواب المقر ، وجواب الجاحد ، يعني : أنَّ هؤلاء لما سئلوا لم يَتَلعْثَمُوا ، وأطبقوا الجواب على السؤال بيِّناً مكشوفاً مفعولاً للإنزال ف " قَالُوا خَيْراً " أي : أنزل خيراً وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال ، فقالوا : هو أساطير الأوَّلين ، وليس هو من الإنزال في شيءٍ " .
وقرأ زيد{[19801]} بن عليٍّ : " خَيْرٌ " بالرفع ، أي : المُنزَّلُ خيرٌ ، وهي مُؤيِّدة لجعل " مَاذَا " موصولة ، وهو الأحسن ؛ لمطابقة الجواب لسؤاله ، وإن كان العكس جائزاً ، وقد تقدم تحقيقه في البقرة .
قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ } هذه الجملة يجوز فيها أوجه :
أحدها : أن تكون منقطعة عما قبلها استئناف إخبار بذلك .
الثاني : أنَّها بدلٌ من " خَيْراً " . قال الزمخشري : " هو بدلٌ من " خَيْراً " ؛ حكاية لقول " الَّذينَ اتَّقوا " ، أي : قالوا هذا القول فقدَّم تسميته خبراً ثمَّ حكاه " .
الثالث : أنَّ هذه الجملة تفسير لقوله : " خَيْراً " ، وذلك أنَّ الخير هو الوحيُ الذي أنزل الله فيه : من أحسن في الدنيا بالطاعةِ ؛ فله حسنةٌ في الدنيا ، وحسنةٌ في الآخرة .
وقوله : { فِي هذه الدنيا } الظاهر تعلقه ب " أحْسَنُوا " ، أي : أوقعوا الحسنة في دار الدنيا ، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوفٍ على أنَّه حكاية حالٍ من " حَسنةً " ، إذ لو تأخر ؛ لكان صفة لها ، ويضعف تعلقه بها نفسها ؛ لتقدمه عليها .
قال المفسرون : إنَّ أحياء من العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء [ سائل ]{[19802]} المشركين الذين قعدوا على الطريق عن محمدٍ - صلوات الله وسلامه عليه - فيقولون : ساحر ، وكاهن ، وشاعر وكذاب ، كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأتي المؤمنين فيسألهم عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه ؛ فيقولون " خَيْراً " ، أي أنزل خيراً ، ثم ابتدأ فقال : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ } أي كرامة من الله .
قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه- : هي تضعيفُ الأجر إلى العشرة{[19803]} . وقال الضحاك : هي النصرة والفتح{[19804]} . وقال مجاهدٌ : هي الرزقُ الحسن{[19805]} ، ويحتمل أن يكون الذي قالوه من الجواب موصوف بأنه خيرٌ .
وقولهم " خَيْراً " جامع لكونه حقاً وصواباً ، ولكونهم معترفين بصحته ، ولزومه وهذا بالضدِّ من قول الذين لا يؤمنون : إن ذلك أساطير الأولين . وتقدم الكلام على " خَيْرٌ " في سورة الأنعام في قوله تعالى : { وَلَلدَّارُ الآخرةُ خَيْرٌ } [ الأنعام : 32 ] .
ثم قال تعالى : { وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين جَنَّاتُ عَدْنٍ } ، أي ولنعم دار المتقين دارُ الآخرة فحذفت ؛ لسبق ذكرها .
هذا إذا لم تجعل هذه الآية متصلة بما بعدها ، فإن وصلتها بما بعدها قلت : { وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين جَنَّاتُ عَدْنٍ } برفع " جَنَّاتُ " على أنها اسم ل " نِعْمَ " كما تقول : نِعْمَ الدَّارُ دَارٌ يَنْزلُهَا زَيْدٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.