ثم قال تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم : { أُولَئِكَ } يعني : الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه { الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } أي : هم أهل الهداية لا غيرهم ، { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } أي : اقتد واتبع . وإذا كان هذا أمرا للرسول صلى الله عليه وسلم ، فأمته تبع له فيما يشرعه [ لهم ]{[10954]} ويأمرهم به .
قال البخاري عند هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام ، أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني سليمان الأحول ، أن مجاهدا أخبره ، أنه سأل ابن عباس : أفي( ص ) سجدة ؟ فقال : نعم ، ثم تلا { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } إلى قوله : { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } ثم قال : هو منهم - زاد يزيد بن هارون ، ومحمد بن عبيد ، وسهل بن يوسف ، عن العوام ، عن مجاهد قال : قلت لابن عباس ، فقال : نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أُمِرَ أن يَقْتَدي بهم{[10955]}
وقوله : { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } أي : لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن { أَجْرًا } أي : أجرة ، ولا أريد منكم شيئا ، { إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } أي : يتذكرون به فَيُرْشَدُوا من العمى إلى الهدى ، ومن الغي{[10956]} إلى الرشاد ، ومن الكفر إلى الإيمان .
القول في تأويل قوله تعالى : { أُوْلََئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرَىَ لِلْعَالَمِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : أُولَئِكَ : هؤلاء القوم الذين وكلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين ، هم الذين هداهم الله لدينه الحقّ ، وحفظ ما وكلوا بحفظه من آيات كتابه والقيام بحدوده واتباع حلاله وحرامه والعمل بما فيه من أمر الله والانتهاء عما فيه من نهيه ، فوقهم جلّ ثناؤه لذلك . فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ يقول تعالى ذكره : فبالعمل الذي عملوا والمنهاج الذي سلكوا وبالهدى الذي هديناهم والتوفيق الذي وفقناهم ، اقتده يا محمد : أي فاعمل وخذ به واسكله ، فإنه عملٌ للّه فيه رضا ومنهاج من سلكه اهتدى .
وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله : فَقَدْ وَكّلْنَا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بِكَافِرينَ أنهم الأنبياء المسَمّوْنَ في الاَيات المتقدمة ، وهو القول الذي اخترناه في تأويل ذلك . وأما على تأويل من تأوّل ذلك أن القوم الذين وكلوا بها هم أهل المدينة ، أو أنهم هم الملائكة ، فإنهم جعلوا قوله : فإنْ يَكْفُرْ بِها هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكّلْنَا بِها قَوْما لَيْسُوا بهَا بِكافِرِينَ اعتراضا بين الكلامين ، ثم ردّوا قوله : أُولَئِكَ الّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ على قوله : أُولَئِكَ الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتَابَ والحُكْمَ والنّبُوةَ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحاق وَيَعْقُوبَ . . . إلى قوله : أُولَئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ يا محمد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال بن زيد ، في قوله : أُولَئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ يا محمد ، فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ولا تقتد بهؤلاء .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثني أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أُولَئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : ثم قال في الأنبياء الذين سماهم في هذه الاَية : فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .
ومعنى الاقتداء في كلام العرب بالرجل : اتباع أثره والأخذ بهديه ، يقال : فلان يقدو فلانا إذا نحا نحوه واتبع أثره ، قِدَةً وقُدْوَةً وقِدْوَة وقِدْية .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إنْ هُوَ إلاّ ذِكْرَى للْعَالمِينَ .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكرهم بآياتي أن تَبسل نفس بما كسبت من مشكري قومك يا محمد : لا أسألكم على تذكيري إياكم والهدى الذي أدعوكم إليه والقرآن الذي جئتكم به ، عوضا أعتاضه منكم عليه وأجرا آخذه منكم ، وما ذلك مني إلا تذكير لكم ولكلّ من كان مثلكم ممن هو مقيم على باطل بأس الله أن يحلّ بكم وسخطه أن ينزل بكم على شرككم به وكفركم ، وإنذار لجميعكم بين يدي عذاب شديد ، لتذكروا وتنزجوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.