السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ} (90)

قال : والدليل عليه قوله تعالى :

{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } ، وقال عطاء العطاردي : هم الملائكة ونظر فيه لأنّ اسم القوم لا يطلق إلا على بني آدم ، وقيل : الفرس ، وقيل : هم المهاجرون والأنصار ، واستظهر وقال ابن زيد : كل من لم يكفر فهو منهم سواء أكان ملكاً أم نبياً أم صحابياً أم تابعياً ، والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها فإنها ليست هدى مضافاً إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعاً فليس فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع من قبله ، واستدلّ بعض العلماء بهذه الآية على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال : وبيانه أنّ جميع الخصال وصفات الشرف كانت متفرّقة فيهم فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل مجاهدة في الله عز وجلّ وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن وكان داود وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة كما قال تعالى : { اعملوا آل داود شكراً } ( سبأ ، 13 ) .

وكان أيوب صاحب صبر على البلاء كما قال تعالى : { إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أواب } ( ص ، 44 ) .

وكان يوسف قد جمع بين الحالتين أي : الصبر والشكر وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا وكان إسماعيل صاحب صدق وكان يونس صاحب تضرّع وإحسان ثم إن الله تعالى أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم وجمع له جميع الخصال المحمودة والمتفرّقة فثبت بهذا البيان أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من الخصال التي كانت متفرّقة في جميعهم ، اه .

وقرأ حمزة والكسائيّ بحذف الهاء في الوصل وحرّك الهاء بحركة مختلسة ابن عامر ومدّ على الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه وسكن الهاء الباقون في الوصل وأما في الوقف فجميع القراء يثبتون الهاء ويسكنونها { قل } يا محمد لأهل مكة { لا أسألكم عليه } أي : القرآن أو التبليغ { أجراً } أي : لا أطلب على ذلك جعلاً { إن هو } أي : القرآن أو التبليغ { إلا ذكرى } أي : عظة { للعالمين } أي الإنس والجنّ .