فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ} (90)

{ أولئك الذين هدى الله } فإن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار إذ لا يصح أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإقتداء بهداهم وتقديم { فبهداهم } على الفعل أي { اقتده } يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء ، قرئ اقتده بهاء السكت وقفا ووصلا ، وهي حرف تجتلب للاستراحة عند الوقف فثبوتها وقفا لا إشكال فيه ، وأما ثبوتها وصلا فإجراء له مجرى الوقف ، وفي قراءة بحذفها وصلا لحمزة والكسائي .

والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله ، وقيل المعنى اصبر كما صبروا ، وقيل اقتد بهم في التوحيد وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة ، وقيل في جميع الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية ، والصفات الرفيعة الكاملة ، وفيها دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نص .

أخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم وكان يسجد في { ص } ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد سألت ابن عباس عن السجدة التي في { ص } فقرأ هذه الآية وقال : أمر نبيكم أن يقتدي بداود عليه السلام{[706]} .

وقد احتج أهل العلم بهذه الآية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال التي كانت متفرقة في جميعهم .

{ قل لا أسألكم عليه } أي على القرآن أو على التبليغ ، فإن سياق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر لهما ذكر { أجرا } عوضا من جهتكم ، قال ابن عباس : قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضا من عروض الدنيا وكان ذلك من جملة هداهم .

{ إن هو } أي ما القرآن { إلا ذكر للعالمين } أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد ، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى جميع الخلق من الجن والإنس وأن دعوته عمت جميع الخلائق .


[706]:وسيأتي تفصيله في سورة ص إن شاء الله.