تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فإن لم يشهد لك أحد منهم، فإن الله وملائكته يشهدون بذلك، فذلك قوله عز وجل: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك} من القرآن، {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} بذلك، {وكفى بالله شهيدا}: فلا شاهد أفضل من الله بأنه أنزل عليك القرآن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن يكفر بالذي أوحينا إليك يا محمد اليهود الذين سألوك أن تنزل عليهم كتابا من السماء، وقالوا لك: ما أنزل الله على بشر من شيء فكذّبوك، فقد كذّبوا ما الأمر، كما قالوا: لكن الله يشهد بتنزيله إليك ما أنزله من كتابه ووحيه، أنزل ذلك إليك بعلم منه بأنك خيرته من خلقه وصفيه من عباده، ويشهد لك بذلك ملائكته، فلا يحزنك تكذيب من كذّبك، وخلاف من خالفك. "وكَفَى باللّهِ شَهِيدا": وحسبك بالله شاهدا على صدقك دون ما سواه من خلقه، فإنه إذا شهد لك بالصدق ربك لم يضرّك تكذيب من كذّبك. وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود دعاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أتباعه، وأخبرهم أنهم يعلمون حقيقة نبوّته، فجحدوا نبوّته وأنكروا معرفته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} قيل فيه بوجهين: قيل: يشهد الله يوم القيامة، والملائكة يشهدون أيضا أن هذا الذي أنزل من عند الله لا كما {يقولون إنما يعلمه بشر} (النحل: 103) (وكقوله تعالى) {وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى} (سبإ: 43). (وكقوله تعالى): {إن هذا إلا اختلاق} (ص: 7) كما قالوا. وقيل: قوله تعالى: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك} أي يبين بالآيات والحجج ما يعجز الخلائق عن إتيان مثلها، ويلزمهم الإقرار بأنه إنما أنزل من عند الله، والله أعلم.
{أنزله بعلمه} يحتمل وجهين: يحتمل أنزل بالآيات والحجج السماوية. ويحتمل {أنزله بعلمه} أي أنزله على علم منه بمن يقبل وبمن لا يقبل، ليس كما يبعث ملوك الأرض بعضهم إلى بعض رسائل وهدايا؛ لا يعلمون قبولها ولا ردها، ولا علم لهم بمن يقبلها وبمن يردها. فلو كان لهم بذلك علم ما أرسلوا الرسل، ولا بعثوا الهدايا، إذا علموا أنهم لا يقبلون. فأخبر عز وجل أنه على علم منه أنزل بمن يقبل وبمن يرد، والله أعلم.
{وكفى بالله شهيدا} أي شاهدا على ما ذكرنا من شهادته يوم القيامة على أحد التأويلين ويحتمل قوله {شهيدا} أي مبينا بالآيات والحجج.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
سلاّه الله عن تكذيب الخلق إياه بما ذكره من علم الله بصدقه، ولذلك قال: {وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) فإن قيل: إذا شهد الله له بالرسالة، فأي حاجة إلى شهادة الملائكة؟ قيل: لأن الذين حضروا عند النبي صلى الله عليه وسلم، كان عندهم أنهم علماء الأرض؛ فقالوا: نحن علماء الأرض، ونحن ننكر رسالتك، فقال الله تعالى: إن أنكره علماء الأرض، يشهد به علماء السماء، وهم الملائكة، على مقابلة زعمهم وظنهم، لا للحاجة إلى شهادتهم، فإنه قال: (وكفى بالله شهيدا).
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: الاستدراك لا بدّ له من مستدرك فما هو قوله: {لكن الله يَشْهَدُ}؟ قلت: لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء وتعنتوا بذلك واحتج عليهم بقوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} قال: لكن الله يشهد، بمعنى أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد. وقيل: لما نزل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} قالوا: ما نشهد لك بهذا، فنزل {لكن الله يَشْهَدُ} ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه: إثباته لصحته بإظهار المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات. وشهادة الملائكة: شهادتهم بأنه حق وصدق.
فإن قلت: بم يجابون لو قالوا: بم يعلم أن الملائكة يشهدون بذلك؟ قلت: يجابون بأنه يعلم بشهادة الله، لأنه لما علم بإظهار المعجزات أنه شاهد بصحته علم أن الملائكة يشهدون بصحة ما شهد بصحته؛ لأنّ شهادتهم تبع لشهادته. فإن قلت: ما معنى قوله: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وما موقعه من الجملة التي قبله؟ قلت: معناه أنزله ملتبساً بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة، وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة. وقيل أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه. وقيل: أنزله مما علم من مصالح العباد مشتملاً عليه. ويحتمل: أنه أنزل وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك، كما قال في آخر سورة الجنّ. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن: 8] والإحاطة بمعنى العلم {وكفى بالله شَهِيداً} وإن لم يشهد غيره، لأنّ التصديق بالمعجزة هو الشهادة حقاً {قُلْ أَي شيء أَكْبَرُ شهادة قُلِ الله} [الأنعام: 19].
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما لم يبق سبحانه لهم شبهة، واستمروا على عنادهم، أشار تعالى إلى ما تقديره: إنهم لا يشهدون لك عند اتضاح الأمر، فقال: {لكن} أي ومع ما قام من البراهين على صدقك وكون كتابك من عند الله فهم لا يشهدون بذلك لكن {الله} أي الذي له الأمر كله فلا كفوء له {يشهد} أي لك {بما أنزل إليك} أي من هذا الكتاب المعجز الذي قد أخرس الفصحاء وأبكم البلغاء، وفيه هذه الأحكام الصادقة لما عندهم وهم يريدون الإضلال عنها، فشهادته ببلاغته وحكمته بصدق الآتي به هي شهادة الله لأنه قائله، ولذلك عللل بقوله: {أنزله بعلمه} أي عالماً بإنزاله على الوجه المعجز مع كثرة المعارض فلم يقدر أحد ولا يقدر على إحداث شيء فيه من تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان ولا معارضة {والملائكة} أيضاً {يشهدون} بذلك لأنهم كانوا حضوراً لإنزاله وأمناء على من كان منهم على يده ليبلغه -كما قال تعالى:
{فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} [الجن: 27-28] وهذا خطاب للعباد على حسب ما يعرفون.
ولما كان ربما أفهم نقصاً نفاه بقوله: {وكفى بالله} أي الذي له الكمال كله {شهيداً} أي وكفى بشهادته في ذلك شهادة عن شهادة غيره، وذلك لأنه أنزله سبحانه شاهداً بشهادته ناطقاً بها لإعجازه بنظمه وبما فيه من علمه من الحِكَم والأحكام وموافقة كتب أهل الكتاب، فشهادته بذلك هي شهادة الله، وهي لعمري لا تحتاج إلى شهادة أحد غيره.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{لكن الله يشهد بما أنزل إليك} هذا استدراك على ما علم من سياق من إنكارهم نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وعدم شهادتهم بها، وهي عندهم في المرتبة المشهود به لوضوحها، ولكنهم استبدلوا المباهتة والمكابرة بالشهادة والإيمان، فسألوه أن ينزل عليهم كتابا من السماء يثبت دعواه، ويكون شاهدا له مقنعا لهم، فبين الله تعالى له أن هذا الطلب جار على شنشنتهم في معاملة أنبيائهم من قبل، وأن وحيه إليه هو من جنس وحيه إلى أولئك الأنبياء الذين يزعمون أنهم يؤمنون بهم ويشهدون لهم، فكأنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنهم مع وضوح أمر نبوتك في نفسه، لا يشهدون بما أنزل إليك وإن كانوا يشهدون لما هو من جنسه، لكن الله يشهد لك به، فإنه {أنزله بعلمه} أي متلبسا بعلمه الخاص الذي لم تكن تعلمه أنت ولا قومك من قبل إنزاله إليك {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمه أنت ولا قومك من قبل هذا} [هود:38] {وما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} [الشورى:52] {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [االعنكبوت:48].
فهو بما فيه من العلوم الإلهية والأدبية والسياسية والقضائية والاجتماعية، ومن علوم الأنبياء والرسل والأمم وغير ذلك، وبما جاء به من الأسلوب البديع الذي لم يسبق إليه ولا يلحقه فيه، من مزج هذه العلوم بعضها ببعض مزجا دقيقا يؤلف بين ما كان موضوعه منها أعلى الموضوعات كالمسائل الإلهية، وما كان منها أدنى كشؤون الكفار والمجرمين، بحيث يكون القليل من آياته كالكثير منها مؤثرا في جذب القلوب إلى الإيمان، وتغذيتها بالحق والخير، وبما له من السلطان على الأرواح بهدايته وبلاغته، وبما فيه من أنباء الغيب عن الماضي والحاضر والمستقبل، وبما فيه من التناسق والتصادق، والسلامة من الخلاف والتعارض، على كثرة علومه، وتشعب فنونه، هو بمثل هذا الخصائص والمزايا البارزة في أعلى حلل الفصاحة والبلاغة، مثبت لشهادة الله تعالى به، وبأنه وحي من عنده، لأن تلك الخصائص والمزايا لا يقدر على الإتيان بها أفراد العلماء الواسعي الاطلاع، فضلا عن أمي نشأ بين الأميين ووصل إلى سن الكهولة ولم يظهر منه شيء من مثل ذلك، ولا مما دونه من مظاهر فصاحة قومه كالشعر والخطابة والمفاخرة، فإذا كان لا يقدر على مثله أحد من علماء الدنيا والدين، وفحول البلاغة المقرمين، تعين أنه من عند الله. فكأنه تعالى يقول لنبيه: ماذا يضرك جحود اليهود وعدم شهادتهم لك، والله يشهد بما أنزله إليك، وأنت على يقين من ذلك بالوحي، وقد أيد شهادته لك بعلمه الذي أودعه هذا القرآن فكان بذلك مثبتا لحقية نفسه وكونه أنزل عليك من ربك، بأقوى من إثبات الدعاوى بالبينات والشهادات التي تحتمل النقض، ويؤيدها كذلك يوما بعد يوم بتصديق ما أنزله في القرآن من الوعد لك بالفلاح والنصر، ووعد من عادوك بالخذلان والخسر.؟
{والملائكة يشهدون} أيضا بذلك لأن الذي نزل به هو الروح الأمين منهم، وأنت تراه وتتلقى عنه لا ريب عندك في ذلك. والله يؤيدك بجند منهم ينفخون روح التثبيت والسكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [الأنفال:12] وكل ذلك قد كان، وثبتت به شهادة ملائكة الله عند نبيه وعند المؤمنين بأخبار الله، وبما ظهر لهم من صدقها في أنفسهم. {وكفى بالله شهيدا} فشهادته أصدق، وقوله الحق، {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} { [الأنعام: 19].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا أنكر أهل الكتاب هذه الرسالة الأخيرة -وهي جارية على سنة الله في إرسال الرسل لعباده (مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، وأهل الكتاب يعترفون بالرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم اليهود يعترفون بمن قبل عيسى- عليه السلام -والنصارى يعترفون بهم، وبعيسى الذي ألهوه كما سيجيئ... فإذا أنكروا رسالتك- يا محمد -فلا عليك منهم. فلينكروا: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه. والملائكة يشهدون. وكفى بالله شهيدًا.. وفي هذا الشهادة من الله.. ثم من ملائكته ومنهم من حملها إلى رسوله.. إسقاط لكل ما يقوله أهل الكتاب. فمن هم والله يشهد؟ والملائكة تشهد؟ وشهادة الله وحدها فيها الكفاية؟! وفي هذه الشهادة تسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما يلقاه من كيد اليهود وعنتهم. وفيها كذلك تصديق وتثبيت وتطمين للمسلمين- في أول عهدهم بالإسلام بالمدينة -أمام حملة يهود التي يدل على ضخامتها هذه الحملة القرآنية المنوعة الأساليب والإيحاءات في ردها والقضاء عليها.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله: {وكفى بالله شهيدا} أي أنه لا عبرة بإنكار المنكرين بعد شهادة الله تعالى، ففيها عزة الحق وخفض الباطل، ولم تذكر هنا شهادة الملائكة لأنها تبع لشهادة الله تعالى، وفي ذكر المتبوع غناء عن التابع، والله سبحانه وتعالى على كل شيء شهيد.
" لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون "والملائكة تشهد لأنها نالت شرف أن يكون المبلغ لرسول الله منهم وهو جبريل عليه السلام، وهم أيضا الذين يحسبون حسابات الأعمال الصالح أو الفاسد للإنسان ويكتبونها في صحيفته، وهم كذلك الذين حملوا ما في اللوح المحفوظ وبلغوا ما أمروا بتبليغه وهم يعرفون الكثير "وكفى بالله شهيدا "لماذا لم يقل الله هنا وكفى بالله وبالملائكة شهودا؟ لأن الحق سبحانه وتعالى لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزا لشهادته.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أمّا الآية الأخرى فهي تطمئن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضح له أن المهم هو أنّ الله قد شهد بما أنزل عليه من كتاب، وليس المهم أن يؤمن نفر من هؤلاء بهذا الكتاب أو يكفروا به فتؤكد الآية في هذا المجال: (لكن الله يشهد بما أنزل إِليك).
ولم يكن اختيار الله لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمنصب النّبوة أمراً عبثاً -والعياذ بالله- بل كان هذا الاختيار نابعاً من علم الله بما كان يتمتع به النّبي من لياقة وكفاءة لهذا المنصب العظيم، ولنزول آيات الله عليه حيث تقول الآية: (أنزله بعلمه).
ويمكن أيضاً أن تشمل هذه الآية معنى آخر، وهو أن ما نزل على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آيات إِنّما ينبع من بحر علم الله اللامتناهي، وإِن محتوى هذه الآيات يعتبر دليلا واضحاً على أنّها نابعة من علم الله وعلى هذا الأساس فإِن الشاهد على صدق ادعاء النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الآيات القرآنية، ولا يحتاج إِلى دليل آخر لإِثبات دعوته، فلو لم يكن محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الوحي من قبل الله سبحانه وتعالى لما أمكنه أبداً وهو المعروف بالأُمي أن يأتي بكتاب كالقرآن يشتمل على أرفع وأسمى التعاليم والفلسفات والقوانين والمبادئ الأخلاقية والبرامج الاجتماعية.
والقرآن الكريم يؤكّد أن ليس الله وحده الذي يشهد بأن دعوة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الحق، بل يشهد معه ملائكته بأحقّية هذه الدعوة، مع أن شهادة الله كافية وحدها في هذا المجال تقول الآية الكريمة: (والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً).
ويجب هنا الانتباه إِلى عدّة أُمور، وهي:
-إِنّ بعض المفسّرين فهموا من عبارة (إِنا أوحينا إِليك كما أوحينا...) إِنّها تهدف إِلى بيان حقيقة من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي أنّ جميع الخصائص التي وردت في الشرائع السماوية التي نزلت على الأنبياء قبله، جاءت مجتمعة في الشريعة التي أنزلها الله عليه، وإِنّ كل خصلة اتصف بها عباد الله الصالحون هي موجودة فيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد أشارت بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) إِلى هذا الموضوع أيضاً..
- نقرأ في الآيات الأخيرة أنّ الزبور من الكتب السماوية أنزله الله على داود ولا يتنافى هذا مع ما ورد من أنّ الأنبياء أُولي العزم الذين نزلت عليهم كتب من الله هم خمسة أنبياء فقط، حيث إن الآيات القرآنية والروايات الإِسلامية توضح أن الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء كانت على نوعين، هما:
النّوع الأوّل: الكتب التي اشتملت على الأحكام التشريعية، حيث إن كل كتاب من هذه الكتب قد أعلن عن شريعة جديدة، وأن هذه الكتب السماوية هي خمسة فقط نزلت على خمسة أنبياء هم «أولو العزم».
النّوع الثّاني: الكتب التي لم تحتو على أحكام جديدة، بل كان فيها الحكم والنصائح والإِرشادات والوصايا وأنواع الدعاء، وكتاب «الزبور» الذي نزل على داود (عليه السلام) من هذا النّوع الثّاني من الكتب السماوية و«مزامير داود» أو «زبور داود» الذي ورد اسمه في «العهد القديم» دليل على هذا الأمر الذي أثبتناه، مع العلم أنّ كتاب «العهد القديم» لم يسلم من التحريف، كما لم تسلم كتب العهد الجديد والقديم الأخرى من التحريف أيضاً، إِلاّ أنّ ما يمكن قوله هو أنّ هذه الكتب قد احتفظت نوعاً ما بشكلها القديم.
وكتاب «مزامير داود» يشتمل على مائة وخمسين فصلا، يسمى كل فصل منه «مزموراً» وهو من أوّله إِلى آخره يشتمل على صنوف النصح والإِرشاد والدعاء والمناجاة.