التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا} (166)

وقوله - سبحانه - : { لكن الله يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ والملائكة يَشْهَدُونَ وكفى بالله شَهِيداً } استدراك قصد به الرد على جحود أهل الكتاب للحق الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :

" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم : " إنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله . فقالوا : ما نعلم ذلك " فأنزل الله قوله : { لكن الله يَشْهَدُ } . الآية .

والمقصود من الآية الكريمة تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عن تذيب كثير من الناس له ، وإدخال الطمأنينة على قلبه ، فكأنه - سبحانه - يقول له :

لم يشهد أهل الكتاب بأنك رسول من عند الله وصادق فيما تبلغه عنه { لكن الله يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } أى : لكن الله يشهد بأن الذى أنزله إليك من قرآن هو الحق الذى لا ريب فيه .

وقوله : { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أى : أنزله بعلم تام ، وحكمة بالغة ، أو بما علمه من مصالح عباده فى إنزاله عليك .

وقوله : { والملائكة يَشْهَدُونَ } أى : والملائكة يشهدون بأنك صادق فى رسالتك ، وبأن ما أنزله الله عليك هو الحق الذى لا تحوم حوله شبهة .

وقوله . { وكفى بالله شَهِيداً } أى : وكفى بشهادة الله شهادة بأنك على الحق وإن لم يشهد غيره لك . فإنه لا عبرة لإِنكار المنكرين لنبوتك ، ولا قيمة لجحود الجاحدين لما نزل عليك بعد شهادة الله لك بأنك نبيه ورسوله ، لتخرج الناس بإذنه من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام .

وقد أجاد صاحب الكشاف فى توضيح تلك المعانى حيث قال : فإن قلت الاستدارك لا بد له من مستدرك فما هو فى قوله : { لكن الله يَشْهَدُ } .

قلت : لما سأل أهل الكتاب إنزال كتاب من السماء ، واحتج عليهم بقوله { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } قال : لكن الله يشهد . بمعنى : أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد . .

ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه ، إثباته لصحته بإظهار المعجزات ، كما تثبت الدعاوى بالبينات وشهادة الملائكة : شهادة بأنه حق وصدق .

فإن قلت : ما معنى قوله : { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } قلت : معناه أنزله متلبسا بعلمه الخاص الذى لا يعلمه غيره . وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان ، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة ، لأن بيان للشهادة . وقيل : أنزله وهو عالم بأنك أهل لإِنزاله إليك وأنك مبلغه . ويحتمل : أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشيطان برصد من الملائكة ، والملائكة يشهدون بذلك .

هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها قد أثبتت صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى رسالته بالأدلة الساطعة . والحجج الواضحة ؛ وبينت وظيفة الرسل - عليهم السلام - وحكمة الله فى إرسالهم ، وزادت للنبى صلى الله عليه وسلم طمأنينة بأنه على الحق ، لأن الله قد شهد له بذلك ، وكفى بشهادة الله شهادة مهما خالفها المخالفون ، وأعرض عنها المعرضون .