فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا} (166)

{ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ( 166 ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ( 167 ) }

{ لكن الله يشهد بما أنزل إليك } هذا الاستدراك من محذوف مقدر كأنهم قالوا ما نشهد لك يا محمد بهذا أي الوحي والنبوة فنزل { لكن الله يشهد } وشهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل هذا القرآن البالغ في الفصاحة والبلاغة إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن المعارضة والإتيان بمثله فكان ذلك معجزا ، وإظهار المعجزة شهادة بكون المدعي صادقا لا جرم قال الله تعالى ذلك .

{ أنزله بعلمه } جملة حالية أي متلبسا بعلمه الذي لا يعلمه غيره من كونك أهل لما اصطفاك الله له من النبوة وأنزله عليك من القرآن واستعدادك لاقتباس الأنوار القدسية ، وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم ، وقيل العلم هنا بمعنى المعلوم أي بمعلومه مما يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم .

{ والملائكة يشهدون } بأن الله تعالى أنزله عليك ويشهدون بتصديقك ، وإنما عرفت شهادة الملائكة لأن الله تعالى إذا شهدت الملائكة به ، { وكفى بالله شهيدا } على صحة نبوتك حيث نصب لها معجزات باهرة وحججا ظاهرة مغنية عن الاستشهاد بغيرها وإن لم يشهد معه أحد .

وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن شهادة أهل الكتاب له ، وشهادة الله سبحانه هي ما نصبه من المعجزات الدالة على صحة النبوة فإن وجود هذه المعجزات شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق ما أخبر به من هذا أو غيره ، عن ابن عباس قال : دخل جماعة من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله ، قالوا : ما نعلم ذلك فأنزل الله هذه الآية{[574]} .


[574]:سيرة ابن هشام2/211 وابن جريج9/49 عن ابن عباس قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من يهود، فقال لهم: "إني أعلم والله أنكم لتعلمون أني رسول الله" فقالوا: ما نعلم ذلك، فأنزل الله عز وجل: {ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا} وزاد السيوطي نسبته في "الدر" 2/248 إلى ابن المنذر، والبيهقي في"الدلائل". قلت: وفي سنده محمد مولى زيد بن ثابت وهو مجهول كما تقدم. تفسيره ابن كثير1/589.