المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

في هذه السورة أمر الله رسوله بقيام قدر كبير من الليل ، للصلاة وقراءة القرآن مرتلا فيها ، فقام هو وطائفة من الذين معه ، ثم خفف الله عنهم في آخرها ، وأمرهم بالصلاة والزكاة والصدقة والاستغفار .

وفي أثنائها أمره بالصبر على ما يقول المكذبون ، وتركهم لما أعده الله لهم من العذاب ، وهدد الكافرين بمثل العذاب الذي وقع على فرعون ومن معه حين عصوا رسول ربهم وخوفهم ببعض أهوال القيامة .

1 - يا أيها المتلفف بثيابه ، قُمْ الليل مصلياً إلا قليلاً ، قُمْ نصفْ الليل أو انقص من النصف قليلاً حتى تصل إلى الثلث ، أو زد على النصف حتى تصل إلى الثلثين ، واقرأ القرآن متمهلاً مبيناً للحروف والوقوف قراءة سالمة من أي نقصان .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " : الحادثات بالله حصلت ، فقلوب العارفين بالله عرفت ما عرفت وأرواح الصديقين بالله ألفت من ألفت وفهوم الموحدين بساحات جلاله وقفت ، ونفوس العابدين بالعجز عن استحقاق عبادته اتصفت وعقول الأولين والآخرين بالعجز عن معرفة جلاله اعترفت .

قوله جلّ ذكره : { يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ الَّليْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } .

أي : المتزمل المتلفِّف في ثيابِه . وفي الخبر : " أنه كان عند نزول هذه الآية عليه مِرْطُ من شَعْرٍ وَبَرٍ ، وقالت عائشة رضي الله عنها : نصفُه عليَّ وأنا نائمة ، ونصفه على رسول الله وهو يُصَلِّي ، وطولُ المِرْطِ أربعةُ عشر ذراعاً " .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المزمل

أهداف سورة المزمل

( سورة المزمل مكية ، وآياتها 20 آية ، نزلت بعد سورة القلم )

وهي سورة تحمل النداء الإلهي للنبي الكريم بقيام الليل ، وقد جعله الله فريضة في حقه ، نافلة في حق أمته .

قال تعالى : ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . ( الإسراء : 79 ) .

وفي كتب السنة ما يفيد أن هذه السورة من أوائل ما نزل من القرآن الكريم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش بين قومه في الجاهلية ، ثم حبب الله إليه الخلوة ليتأمل في ملكوت السماوات والأرض ، وليعده الله لتحمل أعباء الرسالة ، ثم فجأة الوحي وهو في غار حراء ، حيث قال له جبريل : اقرأ ، قال النبي : ( ما أنا بقارئ ) ثلاث مرات ، فقال جبريل : اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم . ( العلق : 1-5 ) .

وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة وأخبرها الخبر ، فقالت له : أبشر يا ابن عمّ واثبت ، فو الذي نفس خديجة بيده ، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة .

ثم فتر الوحي مدة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كان بالجبل مرة أخرى ، فنظر فإذا جبريل ، فأدركته منه رجفة ، حتى جثا وهوى إلى الأرض ، وانطلق إلى أهله يرجف يقول : ( زملوني ، دثروني ) ، ففعلوا ، وظل يرتجف مما به من الروع ، وإذا جبريل يناديه : يا أيها المزمل ، يا أيها المدثر .

وسورة المزمل تعرض صفحة من تاريخ الدعوة الإسلامية ، إنها تنادي النبي الكريم ، وتأمره بقيام الليل ، والصلاة وترتيل القرآن ، والذكر الخاشع المتبتل ، والاتكال على الله وحده ، والصبر على الأذى ، والهجر الجميل للمكذبين ، والتخلية بينهم وبين الجبار القهار .

وتنتهي السورة بلمسة الرفق والرحمة ، والتخفيف والتيسير ، والتوجيه للطاعات والقربات ، والتلويح برحمة الله مغفرته . إن الله غفور رحيم . ( المزمل : 20 ) .

والسورة تمثل صفحة من جهاد النبي الكريم ، وصحبه الأبرار في سبيل الدعوة إلى الله ، وحشد جميع الطاقات من أجل هذه الدعوة ، فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة داعيا إلى الله ، صابرا محتسبا ، مهاجرا ومجاهدا ومربيا ، وناشرا لدعوة الله بكل ما يملك ، منذ قال له القرآن : قم الليل إلا قليلا . ( المزمل : 2 ) .

وكان قيام الليل هو الزاد الروحي ، والتعبئة الإلهية لهذا القلب الكريم ، حتى يصدع بالدعوة ، ويتحمل في سبيلها كل بلاء ، وليصبر ويصابر ، وليحتسب كل جهد في سبيل الله : واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا . ( المزمل : 10 ) .

مع آيات السورة

1-4- أمر الله رسوله أن يقوم من الليل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه ، فهو مخير في ذلك ، وأن يقرأ القرآن الكريم على مهل وتؤدة ، مع حضور القلب لتدبر معانيه وفهم مقاصده .

5- والقرآن يسره الله للقراءة ، ولكنه ثقيل في ميزان الحق ، ثقيل في أثره في القلوب ، ثقيل في قيمته الراجحة ، ومعانيه الراقية ، وما فيه من تكاليف وأعباء .

6- إن قيام الليل هو أكبر موافقة بين القلب واللسان ، وأعدل قولا .

7- وفي النهار متسع لشئون المعاش ، ولك فيه تصرف في مهام أمورك ، واشتغال بمشاغلك .

8-9- واتجه إلى الله بالعبادة وحضور القلب ، واذكره وتضرع إليه ، في إنابة وطاعة وإخلاص ، فهو رب الكون كله ، والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود .

10- واصبر على ما يقولون في حقك ربك ، واهجرهم هجرا جميلا ، بأن تجانبهم وتغضى عن زلاتهم ولا تعاتبهم .

11- ثم توعد المشركين وتهددهم ، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : اترك عقابهم لي وحدي ، فأنا كفيل بهم ، هؤلاء الذين تنعموا في نعمائي ، أمهلهم وقتا قليلا من الزمن ، وسترى ما يحل بهم .

12 ، 13- إن لدينا أنكالا . أي : قيودا ثقيلة توضع في أرجلهم ، كلما أرادوا أن يرتفعوا جذبتهم إلى أسفل ، ثم هناك الجحيم ، والطعام ذو الغصة ، الذي يمزق الحلوق ، والعذاب الأليم ، وكلها جزاء مناسب لمن كفر بنعمة الله .

14- ويمتد الهول في يوم القيامة إلى الأرض فتضطرب وتهتز ، وإلى الجبال فتتمزق أجزاؤها ، وتصير كالصوف المنفوش أو كومة الرمل المهيلة ، بعد أن كانت حجارة صماء متماسكة .

15 ، 16- ويلتفت القرآن إلى أهل مكة فيخاطبهم ، ويهز قلوبهم هزّا ، ويخلعها خلعا ، بعد مشهد الأرض والجبال وهي ترتجف وتنهار ، فيحذرهم مما أصاب فرعون الجبار ، وقد أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، ومضمون القول : لقد أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه ، فأخذناه أخذا وبيلا ، وأرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ، فاحذروا أن تعصوه فيصيبكم مثل ما أصابه .

17 ، 18- وهبوا أنكم لا تؤخذون في الدنيا كما أخذ فرعون ، فكيف تتقون عذاب يوم القيامة ، وهو هول يشيب الولدان ، وتنشق السماء من شدته ، وكان وعد الله ثابتا مؤكدا لا خلف فيه ، وهو سبحانه فعال لما يريد .

19- وأمام هول الآخرة لهم : إن هذه الآيات تذكرة وعبرة ، فمن شاء اعتبر بها ، واتخذ طريقا إلى الله وهو آمن سالم ، قبل مجيء هذا الهول العصيب .

20- وفي الآية الأخيرة من السورة نجد لمسة التخفيف الندية ، ودعوة التيسير الإلهي ، فقد لبى النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى قيام الليل ، ولبى المسلمون الدعوة ، وتجافت جنوبهم عن المضاجع ، وقاموا الليل حتى تورمت أقدامهم من طول القيام ، فقال القرآن : إن ربك يعلم أنك تقوم الليل ، ويرى تقلبك في الساجدين ، والله يعلم أنكم لن تحصوا ساعات الليل إحصاء تاما ، فإذا زدتم على المفروض ثقل ذلك عليكم وكلفتم ما ليس بفرض ، وإن نقصتم شق هذا عليكم ، فتاب عليكم ورجع بكم من تثقيل إلى تخفيف ، ومن عسر إلى يسر ، وطلب إليكم أن تصلّوا ما تيسر من الليل على قدر طاقتكم .

وإن لهذا التخفيف حكمة أخرى ، وهي أنه علم أن سيكون منكم مرضى ، وآخرون يسيحون في الأرض يطلبون من فضل الله بالتجارة أو العلم ، وآخرون يقاتلون في سبيل الله ، فقد علم الله أن سيأذن لكم في الانتصار ممن ظلمكم بالقتال ، فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل بدون تقيد بقدر محدد ، وأقيموا الصلاة المفروضة ، وآتوا الزكاة الواجبة ، وتصدقوا بعد ذلك قرضا لله ، يبق لكم خيره ، ويرده الله إليكم أضعافا مضاعفة ، وما تقدموا لأنفسكم من صدقة أو عمل صالح في الدنيا ، تجدوا ثوابه عند الله يوم القيامة ، خيرا مما أوتيتم في دار الدنيا ، وأعظم منه أجرا ، واتجهوا إلى الله مستغفرين ، إن الله غفور رحيم .

إنها لمسة الرحمة والتخفيف بعد عام من الدعوة إلى القيام ، وقد خفف الله عن المسلمين فجعل قيام الليل لهم تطوعا لا فريضة .

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى نهجه مع ربه ، لا يقل قيامه عن ثلث الليل ، يناجي ربه ويستمد منه العون والتوفيق في أداء رسالته . وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . ( هود : 88 ) .

خلاصة أحكام السورة

أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بما يأتي :

1- قيام ثلث الليل أو نصفه أو ثلثيه .

2- قراءة القرآن بتؤدة وتمهل .

3- ذكر ربه ليلا ونهارا بالتحميد والتسبيح والصلاة .

4- التوكل على الله والاعتماد عليه .

5- الصبر على ما يقول الكفار عنه من أنه ساحر أو شاعر ، وأن يهجرهم هجرا جميلا بمجانبتهم ومداراتهم ، وأن يكل أمرهم إلى ربهم فهو الذي يجازيهم ، وسيرى عاقبة أمرهم .

6- التخفيف من صلاة الليل ، بعد أن شق ذلك عليهم لأعذار كثيرة ، والاكتفاء بما تيسر من صلاة الليل ، ففي الصلاة المفروضة غنية للأمة ، مع إيتاء الزكاة ودوام الاستغفار .

نداء إلهي

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يا أيها المزّمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا 4 إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشدّ وطئا وأقوم قيلا 6 إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا 8 رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا 9 }

المفردات :

المزمل : المتلفّف بثيابه ( النبي صلى الله عليه وسلم ) .

الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر .

نصفه وانقص منه قليلا : انقص من النصف قليلا إلى الثلث .

أو زد عليه : إلى الثلثين ، والمراد به التخيير بين قيام النصف ، والناقص منه ، والزائد عليه ، فهو صلى الله عليه وسلم مخيّر بين قيام ثلث الليل أو نصفه أو ثلثيه .

رتّل القرآن : اقرأه بتمهّل وتبيين حروف .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- يا أيها المزّمل* قل الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو في غار حراء ، يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، ثم يعود إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الوحي وهو في غار حراء ، حيث ضمّه الملك ضمّا شديدا حتى بلغ منه صلى الله عليه وسلم الجهد ، وأرسله فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ، أي لا يعرف القراءة ، وتكرر ذلك ثلاث مرات .

ثم قال له : اقرأ باسم ربك الذي خلق . ( العلق : 1 ) .

وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة فدخل على خديجة ، وأخبرها الخبر ، ثم قال : ( زمّلوني ، دثّروني ) . أي : غطوني ولفّوني في ثياب ، ليهدأ روعه صلى الله عليه وسلمi .

وسورة المزمّل هي السورة الرابعة في النزول ، سبقتها سورة العلق ، ثم ن ، ثم المدّثر ، ثم نزلت المزمّل .

يا أيها المزمل .

يا أيها المتلفف بثيابه .

وقيل : كان ذلك تذكيرا له باللحظة التي كان فيها بعد نزول الوحي أوّل مرة ، وناداه الله بذلك تأنيسا لقلبه ، وملاطفة له .

وقيل : يا أيها المزمّل بالنبوة ، والملتزم بالرسالة .

قم الليل إلا قليلا .

شمّر عن ساعد الجدّ ، واهجر المنام ، واستعدّ للقيام بين يدي الملك العلام ، إنها فترة الإعداد لتلقي الوحي ، والجهاد في سبيل تبليغ الرسالة ، وهذه المهمة تحتاج إلى تعبئة روحية ، وشدة اتصال بين المخلوق والخالق ، أي : استعدّ لقيام الليل ، إلا القليل منه تقضيه في النوم والراحة ، للاستعانة بذلك على تبليغ الرسالة .

نصفه أو انقص منه قليلا

أي : قم نصف الليل ، أو أقل من النصف قليلا ، وهو الثلث .

أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أو زد على النصف إلى الثلثين ، فخيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيام نصف الليل ، أو أقل منه قليلا وهو الثلث ، أو أزيد من النصف وهو الثلثان .

وقيل : خيّر بين قيام نصف الليل ، أو ربعه ، أو ثلاثة أرباعه ، والرأي الأوّل أولى .

ورتّل القرآن ترتيلا .

اقرأ القرآن في عناية وترتيل وتبيين ، وتجميل للصوت ، وأداء حسن ، فإن ذلك أعون على تبيّن المعاني ، وانشغال القلب مع اللسان .

روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن )ii .

أي : يحسّن صوته ويجمّله ، ويهذّبه ويجوّده ، ليعظّم تأثير القرآن في قلوب سامعيه .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري : ( لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود ) . iii . فقال أبو موسى الأشعري : يا رسول الله ، لو كنت أعلم أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرا .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المزمل

روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : ( . . . فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس بين السماء والأرض فجئثت [ فزعت ] منه رعبا فرجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني – وفي رواية - فزملوني ) فأنزل الله تعالى " يأيها المدثر " إلى " والرجز فاهجر " . وقال المفسرون : وعلى أثرها نزلت { يأيها المزمل }

{ يأيها المزمل } أي المتزمل في ثيابه ، المتلفف فيها ؛

نودي بذلك تأنيسا له وملاطفة ؛ على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من حالته التي هو عليها . يقال : زملته بثوبه تزميلا ؛ مثل لففته فتلفف .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المزمل مكية وآياتها عشرون ، نزلت بعد سورة القلم . وقد سميت " سورة المزمل " بقوله تعالى { يا أيها المزمل } والمتزمل هو المتلفف بثيابه ، وهذه السورة من أوائل ما نزل من القرآن الكريم . وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوم من الليل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه ، فهو مخيّر بين هذه الثلاثة . وأمر بأن يرتل القرآن ترتيلا ، أي يقرأه بتؤدة وبيان وهدوء . وأخبره تعالى أنه سيُلقي عليه قولا ثقيلا ، أي قرآنا مشتملا على الأوامر والنواهي والتكاليف الشاقة ، وأن يذكر ربه ليلا ونهارا بالتسبيح والتمجيد ، وأن يجرّد نفسه عما سواه . . ، ويتخذه وكيلا في كل أموره . . وأن يصبر على ما يقولون فيه وفي ربه من أقوال جارحة ( من أنه ساحر أو شاعر ، ومن أن الله له صاحبة وولد ) . كذلك طُلب إليه أن يهجر الكفار هجرا جميلا ، بمجانبتهم ومداراتهم . . ، ويكل أمرهم إلى الله ، وأن يتمهل زمانا قليلا فسيرى عاقبته وعاقبتهم .

وقد تلقى المؤمنون هذه الأوامر فكان الرجل يصلي الليل كله مخافة ألا يصيب ما أمر الله به من القيام . وكان إحصاء الليل شاقا عليهم ، إذ لم يكن عندهم ساعات يضبطون بها أوقاتهم ، فانتفخت أقدامهم من طول القيام . فخفّف الله عنهم ذلك وأمرهم بما تيسّر من صلاة الليل . ثم خفّّف ذلك كله وأمرهم بالصلوات الخمس ، لأن المسلمين منهم المريض والمسافر وغير ذلك . فالصلاة المفروضة كافية للأمة مع إيتاء الزكاة وإدامة استغفار الله والصدقة { فاقرأوا ما تيسّر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .

المزمل : المتلفف بثيابه ومثله المتزمل ، يقال ازَّمَّل وتزمل بثوبه التفّ به وتغطى ، وزمَّل غيره إذا غطاه . .

هذه الآية والآياتُ التي بعدها من أولِ ما نزلَ من الوحي على الرسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد روي في الأحاديث الصحيحة أنه لما جاءه جبريلُ وهو في غار حِراء في أول الوحي خافه الرسول ، وظنّ أن به هو مسّاً من الجنّ ، فرجع من غار حِراء مرتعِدا يرجُف فؤادُه ، فقال لأهله : زمِّلوني زملوني ، لقد خشيتُ على نفسي . وأخبر خديجةَ الخبر . فنزلت هذه الآياتُ :

{ يا أيها المزمل قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً } .

يا أيها المتلفّف بثيابه .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

شرح الكلمات :

{ يا أيها المزمل } : أي المتلفف بثيابه أي النبي صلى الله عليه وسلم .

المعنى :

قوله تعالى { يا أيها المزمل } نادى الربّ تبارك وتعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم مذكراً إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لأول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له قم الليل إلا قليلا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المزمل [ وهي ] مكية

{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا }

المزمل : المتغطي بثيابه كالمدثر ، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته ، وابتدأه بإنزال [ وحيه بإرسال ] جبريل إليه ، فرأى أمرا لم ير مثله ، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون ، فاعتراه في ابتداء ذلك{[1258]}  انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام ، فأتى إلى أهله ، فقال : " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه ، ثم جاءه جبريل فقال : " اقرأ " فقال : " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد ، وهو يعالجه على القراءة ، فقرأ صلى الله عليه وسلم ، ثم ألقى الله عليه الثبات ، وتابع عليه الوحي ، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين .

فسبحان الله ، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها ، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره .


[1258]:- في ب: فاعتراه عند ذلك.