وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر الإسلام . النموذج الذي يذكر عنه القرآن الكريم مواقفه الماضية وحسن بلائه وجهاده ، وثباته على عهده مع الله ، فمنهم من لقيه ، ومنهم من ينتظر أن يلقاه :
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر . وما بدلوا تبديلا ) . .
هذا في مقابل ذلك النموذج الكريه . نموذج الذين عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار . ثم ولم يوفوا بعهد الله : ( وكان عهد الله مسؤولا ) . .
روى الإمام أحمد - بإسناده - عن ثابت قال : " عمي أنس بن النضر - رضي الله عنه - سميت به - لم يشهد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوم بدر ، فشق عليه ، وقال : أول مشهد شهده رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] غبت عنه ! لئن أراني الله تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليرين الله عز وجل ما أصنع . قال : فهاب أن يقول غيرها . فشهد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوم أحد . فاستقبل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال له أنس - رضي الله عنه - يا أبا عمرو . أين واها لريح الجنة ! إني أجده دون أحد . قال : فقاتلهم حتى قتل - رضي الله عنه - قال : فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية . فقالت أخته - عمتي الربيع ابنة النضر - : فما عرفت أخي إلا ببنانه . قال : فنزلت هذه الآية : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . الخ قال : فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم . [ ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة ] .
ثم أثنى الله على رجال من المؤمنين عاهدوا الله تعالى على الاستقامة التامة فوفوا وقضوا نحبهم ، أينذرهم وعهدهم ، و «النحب » في كلام العرب النذر ، والشيء الذي يلتزمه الإنسان ، ويعتقد الوفاء به ، ومنه قول الشاعر :
«قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر{[9484]} »
المعنى أنه التزم الصبر إلى موت أو فتح فمات ومن ذلك قول جرير : [ الطويل ]
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا . . . عشية بسطام جرين على نحب{[9485]}
أي على أمرعظيم التزم القيام ، كأنه خطر عظيم وشبهه ، وقد يسمى الموت نحباً ، وبه فسر ابن عباس هذه الآية ، وقال الحسن { قضى نحبه } مات على عهد ، ويقال للذي جاهد في أمر حتى مات قضى في نحبه ، ويقال لمن مات قضى فلان نحبه ، وهذا تجوز كأن الموت أمر لا بد للإنسان أن يقع به فسمي نحباً ، لذلك فممن سمى المفسرون أنه أشير إليه بذلك أنس بن النضر عم أنس بن مالك ، وذلك أنه غاب عن بدر فساءه ذلك وقال : لئن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهداً ليرين الله ما أصنع ، فلما كانت أحد أبلى بلاء حسناً حتى قتل ووجد فيه نيف على ثمانين جرحاً{[9486]} ، فقالت فرقة : إن هذه الإشارة هي إلى أنس بن النضر ونظرائه من استشهد في ذات الله تعالى ، وقال مقاتل والكلبي الرجال الذين { صدقوا ما عاهدوا الله عليه } هم أهل العقبة السبعون أهل البيعة ، وقالت فرقة : الموصوفون بقضاء النحب هم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوا بعهود الإسلام على التمام ، فالشهداء منهم ، والعشرة الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم ، إلى من حصل في هذه المرتبة من لن ينص عليه ، ويصحح هذه المقالة ما روي
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على المنبر فقال له أعرابي : يا رسول الله من الذي قضى نحبه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ، ثم دخل طلحة بن عبيد الله على باب المسجد وعليه ثوبان أخضران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين السائل ؟ فقال : ها أنا ذا يا رسول الله ، قال : هذا ممن قضى نحبه{[9487]} »
قال القاضي أبو محمد : فهذا أدل دليل على أن النحب ليس من شروطه الموت ، وقال معاوية بن أبي سفيان : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «طلحة ممن قضى نحبه »{[9488]} ، وروت هذا المعنى عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{[9489]} ، وقوله تعالى : { ومنهم من ينتظر } يريد ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح وهو بسبيل ذلك { وما بدلوا } وما غيروا ، ثم أكد بالمصدر ، وقرأ ابن عباس على منبر البصرة «ومنهم من بدل تبديلاً » ، رواه عنه أبو نصرة ، وروى عنه عمرو بن دينار «ومنهم من ينتظر وآخرون بدلوا تبديلاً »{[9490]} .
أعقب الثناء على جميع المؤمنين الخلص على ثباتهم ويقينهم واستعدادهم للقاء العدوّ الكثير يومئذ وعزمهم على بذل أنفسهم ولم يقدر لهم لقاؤه كما يأتي في قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } [ الأحزاب : 25 ] بالثناء على فريق منهم كانوا وَفَّوْا بما عاهدوا الله عليه وفاءً بالعمل والنية ، ليحصل بالثناء عليهم بذلك ثناء على إخوانهم الذين لم يتمكنوا من لقاء العدوّ يومئذ ليعلم أن صدق أولئك يؤذن بصدق هؤلاء لأن المؤمنين يدٌ واحدة .
والإخبار عنهم برجال زيادة في الثناء لأن الرجُل مشتق من الرِّجْل وهي قوة اعتماد الإنسان كما اشتق الأيد من اليَد ، فإن كانت هذه الآية نزلت مع بقية آي السورة بعد غزوة الخندق فهي تذكير بما حصل من المؤمنين من قبل ، وإن كانت نزلت يوم أُحُد فموضعها في هذه السورة إنما هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فهو تنبيه على المعنى الذي ذكرناه على تقدير : أنها نزلت مع سورة الأحزاب . وأيَّا مَّا كان وقتُ نزول الآية فإن المراد منها : رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أُحُد وهم : عثمان بن عفان ، وأنس بن النضر ، وطلحة بن عبيد الله ، وحمزة ، وسعيد بن زيد ، ومصعب بن عمير . فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير فقد استُشهدوا يومَ أُحُد ، وأما طلحة فقد قُطِعت يده يومئذ وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا . وسياق الآية وموقعها يقتضيان أنها نزلت بعد وقعة الخندق . وذكر القرطبي رواية البيهقي عن أبي هريرة : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحُد مرّ على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف ودعا له ثمّ تلا { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه الآية } .
ومعنى { صدقوا ما عاهدوا الله عليه } أنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد وهو إخبار بأنه يفعل شيئاً في المستقبل فإذا فعله فقد صدق . وفعل الصدق يستعمل قاصراً وهو الأكثر ، ويستعمل متعدياً إلى المخبَر بفتح الباء يقال : صدقه الخبر ، أي قال له الصدق ، ولذلك فإن تعديته هنا إلى { ما عاهدوا الله عليه } إنما هو على نزع الخافض ، أي : صدقوا فيما عاهدوا الله عليه ، كقولهم في المثل : صدقني سنَّ بَكْرِه ، أي : في سن بكره .
والنحب : النذر وما يلتزمه الإنسان من عهد ونحوه ، أي : من المؤمنين مَن وفّى بما عاهد عليه من الجهاد كقول أنس بن النضرْ حين لم يشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبُر ذلك عليه وقال : أولُ مشهد شَهده رسول الله غبت عنه ، أما والله لئن أراني الله مَشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرَيَّن الله ما أصنع فشهد أُحُداً وقاتل حتى قُتل .
ومثل الذين شهدوا أيام الخندق فإنهم قَضَوْا نحبهم يوم قريظة .
وقد حمل بعض المفسرين { قضَى نحبه } في هذه الآية على معنى الموت في الجهاد على طريقة الاستعارة بتشبيه الموت بالنذر في لزوم الوقوع ، وربما ارتقى ببعض المفسرين ذلك إلى جعل النحب من أسماء الموت ، ويمنع منه ما ورد في حديث الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن عبيد الله : « إنه ممن قَضَى نَحْبَه » وهو لم يمت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله { وما بدلوا تبديلاً } فهو في معنى { صدقُوا ما عاهدوا الله عليه } وإنما ذكر هنا للتعريض بالمنافقين الذين عاهدوا الله لا يولُّون الأدبار ثم ولوا يوم الخندق فرجعوا إلى بيوتهم في المدينة . وانتصب { تبديلاً } على أنه مفعول مطلق موكِّد ل { بدّلوا } المنفي . ولعل هذا التوكيد مسوق مساق التعريض بالمنافقين الذين بدّلوا عهد الإيمان لما ظنوا أن الغلبة تكون للمشركين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعت المؤمنين فقال: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه} ليلة العقبة بمكة.
{فمنهم من قضى نحبه} أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه قتلوا يوم أحد، رضي الله عنهم.
{ومنهم من ينتظر} المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد، {وما بدلوا} العهد {تبديلا} كما بدل المنافقين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره "مِنَ المُؤْمِنِينَ "بالله ورسوله "رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْه" يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضرّاء، وحين البأس، "فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ" يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره الله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أُحد، وبعض في غير ذلك من المواطن، "وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ" قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر على عدوّه. والنّحب: النذر في كلام العرب. وللنحب أيضا في كلامهم وجوه غير ذلك، منها الموت... وقوله: "وَما بَدّلُوا تَبْدِيلاً": وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا، كما غيره المعوّقون القائلون لإخوانهم: هلم إلينا، والقائلون: إن بيوتنا عورة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
شَكَرَ صنيعَهم في المراس، ومدح يقينهم عند شهود الباس، وسماهم رجالاً إثباتاً لخصوصية رتبتهم وتمييزاً لهم من بين أَشكالهم بعلوِّ الحالة والمنزلة، فمنهم مَنْ خرج من دنياه على صدْقه ومنهم مَنْ ينتظر حكم الله في الحياة والممات، ولم يزيغوا عن عهدهم، ولم يراوغوا في مراعاة حدِّهم؛ فحقيقةُ الصدق حِفْظُ العهد وتَرْكُ مجاوزة الحدِّ. ويقال: الصدقُ استواءُ الجهر والسِّرِّ. ويقال: هو الثباتُ عندما يكون الأَمرُ جِدًّا...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: لما نسخنا الصُّحُف، فَقَدْتُ آيةً من "سورة الأحزاب "كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري -الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين -: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} انفرد به البخاري دون مسلم..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان كل من آمن بائعاً نفسه وماله لله، لأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وكان بعض الراسخين في الإيمان لم يعط الإيمان حقه في القتال في نفسه وماله، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، أما في ماله فبالخروج عنه كله، وأما في نفسه فيما يقحمها من الأهوال، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في بعض المواطن:"الزم مكانك وأمتعنا بنفسك"، "ويقول له ولعمر رضي الله عنهما أنهما من الدين بمنزلة السمع والبصر "وكان أبو بكر رضي الله عنه في ليلة الغار يذكر الطلب فيتأخر، والرصد فيتقدم، وما عن الجوانب فيصير إليها، ومنهم من وفى هذه الغزوة وما قبلها فأراد الله التنويه بذكرهم والثناء عليهم توفية لما يفضل به في حقهم، وترغيباً لغيرهم فأظهر ولم يضمر لئلا يتقيد بالمذكورين سابقاً فيخص هذه الغزوة فقال: {من المؤمنين} أي الكمل {رجال} أي في غاية العظمة عندنا، ثم وصفهم بقوله: {صدقوا}. ولما كان العهد عند ذوي الهمم العلية، والأخلاق الزكية، لشدة ذكرهم له ومحافظتهم على الوفاء به، وتصوره لهم حتى كأنه رجل عظيم قائم تجاههم، يتقاضاهم الصدق، عدى الفعل
إليه فقال: {ما عاهدوا الله} المحيط علماً وقدرة وجلالاً وعظمة {عليه} أي من بيع أنفسهم وأموالهم له بدخولهم في هذا الدين، الذي بنى على ذلك فوفوا به أتم وفاء، وفي هذا إشارة إلى أبي لبابة بن المنذر رضي الله عنه، وكان من أكابر المؤمنين الراسخين في صفة الإيمان حيث زل في إشارته إلى بني قريظة بأن المراد بهم الذبح، كما تقدم في الأنفال في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} [الأنفال: 27] فذهب من حينه وربط نفسه تصديقاً لصدقه في سارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه وحله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة. ولما ذكر الصادقين، وكان ربما فهم أن الصدق لا يكون إلا بالقتل، قسمهم قسمين مشيراً إلى خلاف ذلك بقوله: {فمنهم من قضى} أي أعطى {نحبه} أي نذره في معاهدته، أنه ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم و يموت دونه، وفرغ من ذلك وخرج من عهدته بأن قتل شهيداً، فلم يبق عليه نذر كحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير... فالمراد بالنحب هنا العهد الذي هو كالنذر المفضي إلى الموت، وأصل النحب الاجتهاد في العمل، ومن هنا استعمل في النذر لأنه الحامل على ذلك.
{ومنهم} أي الصادقين {من ينتظر} قضاء النحب إما بالنصرة، أو الموت على الشهادة، أو مطلق المتابعة الكاملة.
ولما كان المنافقون ينكرون أن يكون أحد صادقاً فيما يظهر من الإيمان، أكد قوله تعريضاً بهم: {وما بدلوا تبديلاً} أي وما أوقعوا شيئاً من تبديل بفترة أو توان، فهذا تصريح بمدح أهل الصدق، وتلويح بذم أهل النفاق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر الإسلام. النموذج الذي يذكر عنه القرآن الكريم مواقفه الماضية وحسن بلائه وجهاده، وثباته على عهده مع الله، فمنهم من لقيه، ومنهم من ينتظر أن يلقاه هذا في مقابل ذلك النموذج الكريه، نموذج الذين عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، ثم ولم يوفوا بعهد الله (وكان عهد الله مسؤولا)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والإخبار عنهم برجال زيادة في الثناء، لأن الرجُل مشتق من الرِّجْل وهي قوة اعتماد الإنسان.
{صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد وهو إخبار بأنه يفعل شيئاً في المستقبل فإذا فعله فقد صدق، وفعل الصدق يستعمل قاصراً وهو الأكثر، ويستعمل متعدياً إلى المخبَر بفتح الباء.
وساعة تسمع كلمة {رِجَالٌ.. في القرآن، فاعلم أن المقام مقام جدّ وثبات على الحق، وفخر بعزائم صلبة لا تلين، وقلوب رسخ فيها الإيمان رسوخ الجبال.
وهؤلاء الرجال وفوا العهد الذي قطعوه أمام الله على أنفسهم، بأن يبلوا في سبيل نصرة الإسلام، ولو يصل الأمر إلى الشهادة.. فالمؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخلق يموتون من لدن آدم عليه السلام حتى الآن، لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل الله، فينذرها ويقدمها لله عن رضا، ولم لا وقد ضحيت بحياة، مصيرها إلى زوال، واشتريت بها حياة باقية وخالدة منعّمة...