{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } المخلصين { رِجَالٌ صَدَقُوا } أي أتوا بالصدق من صدقني إذا قال الصدق { مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } أي وفوا بما عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة من الثبات معه والمقاتلة لمن قاتله ، بخلاف من كذب في عهده وخان الله ورسوله ، وهم المنافقون ، وقيل هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا له ولم يفروا .
أخرج البخاري وغيره عن أنس : [ نرى هذه الآية نزلت في أنس ابن النضر ] ، وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن أنس قال : ( غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ؟ لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ قال يا أبا عمرو أين ؟ قال واها لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية ، ونزلت هذه الآية ، وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . وقد روي عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذي وصححه ، والنسائي وغيرهما .
وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ، ثم قرأ : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } ثم قال : أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله ، فأتوهم وزوروهم ، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه ، وقد تعقب الحاكم ، في تصحيحه الذهبي ، كما ذكر ذلك السيوطي .
ولكنه قد أخرج الحاكم حديثا آخر وصححه ، وأخرجه أيضا البيهقي في الدلائل عن أبي ذر قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه ، فقرأ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } الآية وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله ، وهما يشهدان لحديث أبي هريرة ، ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله ، وقسمهم إلى قسمين فقال :
{ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ } أي فرغ من نذره ، ووفي بعهده ، وصبر على الجهاد حتى استشهد ، وقال ابن عمر : أي مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان . والنحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به وأوجبه على نفسه ، والقتل ، والموت . قال ابن قتيبة قضى نحبه أي : قتل . وأصل النحب : النذر كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله لهم فقتلوا ، فقيل : فلان قضى نحبه ، أي قتل . والنحب أيضا الحاجة وإدراك الأمنية يقول قائلهم : مالي عندهم نحب ، والنحب العهد ، ومعنى الآية أن من المؤمنين رجالا أدركوا أمنيتهم ، وقضوا حاجتهم ، ووفوا بنذرهم ، فقاتلوا حتى قتلوا ، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر .
أخرج الترمذي وحسنه ، وأبو يلعى ، وابن جرير ، وابن مردويه عن طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي ، فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني طلعت من باب المسجد فقال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي أنا قال : هذا ممن قضى نحبه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من حديثه نحوه .
وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( طلحة ممن قضى نحبه ) .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة ) . أخرجه سعيد بن منصور ، وأبو يعلى ، وأبو نعيم ، وابن المنذر وغيرهم .
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله ، وأخرج ابن منده وابن عساكر من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه .
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي إن هذه الآية نزلت في طلحة .
وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا .
{ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان ، وطلحة ، والزبير ، وأمثالهم فإنهم مستمرون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقتال لعدوه ، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل ، وإدراك فضل الشهادة . { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا } أي ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم ، بل ثبتوا عليه ثبوتا مستمرا ، أما الذين قضوا نحبهم فظاهر ، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدلوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.