الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا} (23)

أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود في المصاحف والبغوي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : لما نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب ، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقتها في سورتها في المصحف .

وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } .

وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه ، فقال : يا أبا عمرو إلى أين ؟ قال : واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم ، ونزلت هذه الآية { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه .

وأخرج الحاكم وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه أن عمه غاب عن قتال بدر فقال : غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم المشركين ، لئن أشهدني الله تعالى قتالاً للمشركين ليرين الله كيف أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المشركون ، فقال : اللهم إني ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركون - واعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - ثم تقدم فلقيه سعد رضي الله عنه فقال : يا أخي ما فعلت فأنا معك ، فلم أستطع أن أصنع ما صنع ، فوجد فيه بضعاً وثمانين من ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم ، فكنا نقول : فيه وفي أصحابه نزلت { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } .

وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو مقتول ، فوقف عليه ودعا له ، ثم قرأ { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . . } ثم قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فائتوهم وزوروهم ، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي ذر رضي الله عنه قال : « لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه مقتولاً على طريقه ، فقرأ { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . } » .

وأخرج ابن مردويه من طريق خباب رضي الله عنه ، مثله .

وأخرج ابن أبي عاصم والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة رضي الله عنه « أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته ، يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله ، فأعرض عنه ، ثم إني انطلقت من باب المسجد فقال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي : أنا . قال : هذا ممن قضى نحبه » .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال « لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ، صعد المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قرأ هذه الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . } كلها . فقام إليه رجل ، فقال : يا رسول الله من هؤلاء ؟ فأقبلت فقال : أيها السائل هذا منهم » .

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طلحة ممن قضى نحبه » .

وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « يا طلحة أنت ممن قضى نحبه » .

وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وابن المنذر وأبو نعيم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة » .

وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، مثله .

وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت « دخل طلحة بن عبيد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا طلحة . أنت ممن قضى نحبه » .

وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم قالوا : حدثنا عن طلحة قال : ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل .

وأخرج سعيد بن منصور وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } وآخرون { ما بدلوا تبديلاً } .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { فمنهم من قضى نحبه } قال : الموت على ما عاهدوا الله عليه { ومنهم من ينتظر } على ذلك .

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { قضى نحبه } قال : أجله الذي قدر له . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت قول لبيد :

ألا تسألان المرء ماذا يحاول *** أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فمنهم من قضى نحبه } قال : عهده { ومنهم من ينتظر } يوماً فيه جهاد ، فيقضي نحبه يعني عهده بقتال أو صدق في لقاء .

وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال « حبسنا يوم الخندق عن الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، حتى كان بعد العشاء بهك كفينا ذلك . فأنزل الله { وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً } فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام ، ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك . وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } [ البقرة : 239 ] .

وأخرج الحاكم وصححه عن عيسى بن طلحة قال : دخلت على أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أسماء : أنا خير منك ، وأبي خير من أبيك ، فجعلت أسماء تشتمها وتقول : أنت خير مني فقالت عائشة رضي الله عنها : ألا أقضين بينكما ؟ قالت : بلى . قالت : فإن أبا بكر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : « أنت عتيق من النار قالت : فمن يومئذ سمى عتيقاً ، ثم دخل طلحة رضي الله عنه فقال : أنت يا طلحة ممن قضى نحبه » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن اللهف عن أبيه رضي الله عنه في قوله { فمنهم من قضى نحبه } قال : نذره وقال الشاعر :

قضت من يثرب نحبها فاستمرت *** . . . .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { فمنهم من قضى نحبه } قال : مات على ما هو عليه من التصديق والإِيمان { ومنهم من ينتظر } ذلك { وما بدلوا تبديلاً } ولم يغيروا كما غير المنافقون .

23