ثم أثنى سُبحانه على رجالٍ عَاهدوا اللّه على الاسْتِقَامَةِ فَوَفَّوا ، وَقَضَوا نَحْبُهُمْ ، أي : نَذْرَهُمْ ، وَعَهَدَهُمْ ، «والنَّحْبُ » فِي كَلاَمِ العَرَبِ : النَّذْرُ والشَّيءُ الذي يلتزمُهُ الإنسان ، وقَد يُسَمَّى المَوْتُ نَحْباً ، وبهِ فسَّر ابن عبَّاس وغيرُه هذه الآيةَ ، ويقال للذي جاهد في أمرٍ حتى ماتَ : قضى فيه نحبه ، ويقالُ لمن مات : قَضَى فلانُ نَحْبَه فمن سَمَّى المفسرون أنّه أُشِيرَ إليه بهذه الآية أنس بن النضر عَمُّ أنسِ بن مالكٍ ، وذلك أنه غَابَ عن بَدْرِ فساءَه ذلك ، وقال لَئِنْ شَهدت مع رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم مَشْهَداً ليَرَيَنَّ اللّهُ ما أصْنَعُ . فلما كان أحَدٌ أبلَى بلاءً حَسَناً حَتَّى قُتِلَ وَوُجِدَ فيه نَيِّفٌ على ثمانينَ جُرْحاً ، فكانوا يَروْنَ أن هذه الآيةَ في أنس بن النضر ونظرائه .
وقالت فرقة : الموصوفون بقَضَاء النَّحْبِ هم جماعةٌ من أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَّوْا بِعُهُودِ الإسْلاَمِ عَلَى التَّمَامِ ، فالشُّهَداءُ منهم ، والعَشَرَةُ الذين شَهِدَ لهم رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بالجنّةِ منْهم ، إلى مَن حَصَل في هذه المرتبةِ مِمَّنْ لَم يُنَصَّ عليه ، ويُصَحَّحُ هذه المقالةَ أيضاً مَا رُوِيَ ( أن رَسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم كان عَلَى المِنْبَرِ ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَنِ الَّذِي قضى نَحْبَهُ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً ، ثُمَّ دَخَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ على بَابِ المَسْجِدِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ : هَا أَنَا ذَا ، يا رسُولَ اللّه ، قَالَ : هَذَا مِمَّنْ قضى نَحْبهُ ) .
قال ( ع ) : فهذا أدل دليل على أَن النَّحْبَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِه المَوْتُ .
وقال معاوية بن أبي سفيان : إني سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( طَلْحَةُ مِمَّنْ قضى نَحْبَهُ ) وَرَوَتْ عَائِشَة نَحوَه .
وقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } [ الأحزاب : 23 ] .
يريدُ ومنهم من ينتظر الحصولَ في أعلى مَراتِب الإيمان والصلاحِ ، وهم بسبيل ذلك { ومَا بدّلوا } ولا غيّرُوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.