{ منَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ } أي من المؤمنين المخلصين رجال صدقوا أتوا بالصدق ، من صدقني إذا قال الصدق ، ومحل { ما عاهدوا الله عليه } النصب بنزع الخافض ، والمعنى : أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة من الثبات معه ، والمقاتلة لمن قاتله ، بخلاف من كذب في عهده ، وخان الله ورسوله وهم المنافقون . وقيل : هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا له ولم يفروا ، ووجه إظهار الاسم الشريف ، والرسول في قوله : { صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ } بعد قوله : { مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ } هو قصد التعظيم كما في قول الشاعر :
* أرى الموت لا يسبق الموت شيء *
وأيضاً لو أضمرهما ، لجمع بين ضمير الله وضمير رسوله في لفظ واحد . وقال : صدقا ، وقد ورد النهي عن جمعهما كما في حديث " بئس خطيب القوم أنت " لمن قال : ومن يعصهما فقد غوى . ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله وقسمهم إلى قسمين فقال : { فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } النحب : ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به ، ومنه قول الشاعر :
عشية فرّ الحارثيون بعد ما *** قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا *** عشية بسطام جرين على نحب
أي على أمر عظيم . والنحب يطلق على النذر والقتل والموت . قال ابن قتيبة : قضى نحبه أي قتل وأصل النحب : النذر . كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا ، أو يفتح الله لهم فقتلوا ، فقيل : فلان قضى نحبه ، أي قتل ، والنحب أيضاً الحاجة وإدراك الأمنية ، يقول قائلهم : مالي عندهم نحب ، والنحب : العهد ، ومنه قول الشاعر :
لقد نحبت كلب على الناس أنهم *** أحقّ بتاج الماجد المتكرّم
ومن ورود النحب في الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر :
ومعنى الآية : أن من المؤمنين رجالاً أدركوا أمنيتهم ، وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم فقاتلوا حتى قتلوا ، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم ، فإنهم مستمرّون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال لعدوّه ، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل ، وإدراك فضل الشهادة ، وجملة : { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } معطوفة على صدقوا ، أي ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم ، بل ثبتوا عليه ثبوتاً مستمراً ، أما الذين قضوا نحبهم فظاهر ، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدّلوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.