( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ؛ أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين . أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ، وجاهد في سبيل الله ? لا يستوون عند الله ، والله لا يهدي القوم الظالمين . الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ، وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ، وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ) .
وبعد البراءة والإعلان لم يبق عذر ولا حجة لمن لا يقاتل المشركين ؛ ولم يعد هنالك تردد في حرمانهم زيارة البيت أو عمارته ، وقد كانوا يقومون بهما في الجاهلية ، وهنا ينكر السياق على المشركين أن يكون لهم الحق في أن يعمروا بيوت الله ، فهو حق خالص للمؤمنين بالله ، القائمين بفرائضه ؛ وما كانت عمارة البيت في الجاهلية وسقاية الحاج لتغير من هذه القاعدة . وهذه الآيات كانت تواجه ما يحيك في نفوس بعض المسلمين الذين لم تتضح لهم قاعدة هذا الدين .
( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) . .
فهو أمر مستنكر منذ الابتداء ، ليس له مبرر لأنه مخالف لطبائع الأشياء . إن بيوت الله خالصة لله ، لا يذكر فيها إلا اسمه ، ولا يدعى معه فيها أحد غيره ، فكيف يعمرها من لا يعمر التوحيد قلوبهم ، ومن يدعون مع الله شركاء ، ومن يشهدون على أنفسهم بالكفر شهادة الواقع الذي لا يملكون إنكاره ، ولا يسعهم إلا إقراره ? إقراره ?
فهي باطلة أصلا ، ومنها عمارة بيت الله التي لا تقوم إلا على قاعدة من توحيد الله .
وقوله تعالى { ما كان للمشركين } الآية{[5557]} ، معناه ما كان للمشركين بحق الواجب أن يعمروا ، وهذا هو الذي نفى الله عز وجل وإلا فقد عمروا مساجده قديماً وحديثاً وتغلباً وظلماً ، وقرأ حماد بن أبي سلمة عن ابن كثير والجحدري «مسجد الله » بالإفراد في الموضعين ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والأعرج وشيبة وأبو جعفر ومجاهد وقتادة وغيرهم «مساجد » بالجمع في الموضعين ، وقرأ ابن كثير أيضاً وأبو عمرو «مسجد » بالإفراد في هذا الموضع الأول و «مساجد » بالجمع في الثاني ، كأنه ذكر أولاً فيه النازلة ذلك الوقت ، ثم عمت المساجد ثانياً في الحكم الثابت ما بقيت الدنيا ، ولفظ الجمع يقتضي عموم المساجد كلها ، ويحتمل أن يراد به المسجد الحرام في الموضعين وحده على أن يقدر كل موضع سجود فيه مسجداً ثم يجمع ، ولفظ الإفراد في الموضعين يقتضي خصوص المسجد الحرام وحده ، ويحتمل أن يراد به الجنس فيعم المساجد كلها ولا يمنع من ذلك إضافته كما ذهب إليه من لا بصر له ، وقال أبو علي الثاني في هذه القراءة يراد به الأول وسائر المساجد كلها حكمها حكم المسجد الحرام ، وقوله { شاهدين على أنفسهم بالكفر } إشارة إلى حالهم إذ أقوالهم وأفعالهم تقتضي الإقرار بالكفر والتحلي به ، وقيل الإشارة إلى قولهم في التلبية إلا شريك هو لك ونحو ذلك ، وحكى الطبري عن السدي أنه قال : الإشارة إلى أن النصراني كان يقول أن نصراني واليهودي كذلك والوثني يقول أنا مشرك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لم يحفظ ، ثم حكم الله تعالى عليهم بأن أعمالهم { حبطت } أي بطلت ولا أحفظها تستعمل إلا في السعي والعمل ، ويشبه أن يكون من الحبط وهو داء قاتل يأخذ السائمة إذا رعت وبيلاً وهو الذي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم » الحديث{[5558]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.