بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ} (17)

قوله تعالى :

{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ } ، قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي { مساجد } بلفظ الجماعة ، وكذلك الثاني يعني : جميع المساجد ؛ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأول { مسجد } بغير ألف والثاني بألف . وروي عن ابن كثير كلاهما بغير ألف ، يعني : المسجد الحرام . ومن قرأ مساجد أيضاً ، يجوز أن يحمل على المسجد الحرام ، لأنه يذكر المساجد ويراد به مسجد واحد . كما قال : { يا أيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون : 51 ] ، يعني به النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } ، يعني : ما كانت لهم عمارة المسجد في حال إقرارهم بالكفر يعني : لا ثواب لهم بغير إيمان .

{ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } ، يعني : بطل ثواب أعمالهم ، ويقال : { شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِم } يعني : كلامهم يشهد عليهم بالكفر . { وَفِى النار هُمْ خالدون } ، يعني : يكونون في النار هم خالدين ؛ ويقال شاهدين عليهم يوم القيامة ، فلا ينفعهم عمارة المسجد بغير إيمان . وروى أسباط ، عن السدي في قوله : { شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } أنه قال : يسأل النصراني ما أنت ؟ فيقول : نصراني . ويسأل اليهودي ما أنت ؟ فيقول : يهودي . ويسأل المشرك ما أنت ؟ فيقول : مشرك . فذلك قوله تعالى { شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } .

ويقال : هذه الآية نزلت في شأن العباس حين أُسِر يوم بدر ، فأقبل عليه نفر من المهاجرين وعيّروه بقتال النبي صلى الله عليه وسلم وبقطيعة الرحم ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا ؟ فقال له عليُّ : فهل لكم من المحاسن شيء ؟ فقال : نعم ، إنا نعمر المسجد الحرام ، ونحج الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ، ونفادي الأسير ، ونؤمن الخائف ، ونقري الضيف ؛ فنزل { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ } إلى قوله : { أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم وَفِى النار هُمْ خالدون } .