التفسير : إنه سبحانه بدأ السورة بذكر البراءة من المشركين وبالغ في إيجاب ذلك بتعداد فضائحهم وقبائحهم ، ثم أراد يحكي شبهاتهم التي كانوا يحتجون في أن هذه البراءة غير جائزة مع الجواب عنها . قال المفسرون : لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بالكفر وقطيعة الرحم وأغلظ علي رضي الله عنه له القول فقال العبّاس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا ؟ فقال علي عليه السلام ألكم محاسن ؟ فقال : نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله تعالى رداً عليهم { ما كان للمشركين } ما صح لهم وما استقام { أن يعمروا مساجد الله } يعني المسجد الحرام . ومن قرأ على الجمع فإما أن يراد جميع المساجد فيشمل المسجد الحرام أيضاً الذي هو أشرفها وهذا آكد لأن طريقه طريق الكناية كما لو قلت : فلان لا يقرأ كتب الله كنت أنفي لقراءته القرآن من تصريحك بذلك ، أو يراد المسجد الحرام وجمع لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد ، أو لأن بقعة منه مسجد . قال الفراء : العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم : فلان كثير الدرهم ، وبالعكس كقولهم : فلان يجالس الملوك ولعله لم يجالس إلا ملكاً واحداً . وعمارة المسجد إما لزومه وإما كثرة إتيانه للصلاة والاعتكاف ، ولا شك أنه ليس للمشرك ذلك وإما مرمته وتعهده ، وليس للمشرك هذا أيضاً لأنه يجري مجرى الإنعام على المسلمين ولا ينبغي أن يكون للكافر منه على أهل الإسلام ، ولأن دخوله المسجد يؤدي إلى تلوث المسجد إما لكونه نجساً في الحكم ، وإما لأنه قلما يحترز من النجاسات . وما روي أنه صلى الله عليه وآله أنزل وفد ثقيف في المسجد وهم كفار وشدّ ثمامة بن أثال الحنفي على سارية من سواري المسجد محمول على تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم كأنه أراد أن يكون ذلك بمحضر منه وهو في المسجد . وقوله { شاهدين على أنفسهم } حال من الواو في { يعمروا } والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين : عمارة معابد الله مع الكفر به . وفي تفسير هذه الشهادة أقوال أصحها أنهم أقروا على أنفسهم بعبادة الأوثان وتكذيب النبي والقرآن ولهذا قال السدي : هي أن النصراني إذا قيل له ما أنت ؟ قال : نصراني . واليهودي يقول : يهودي ، وعابد الوثن يقول : أنا عباد الوثن . وقيل : هي قولهم في طوافهم «لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك » . وعن ابن عباس أنه قال : المراد أنهم يشهدون على محمد بالكفر . وإنما جاز هذا التفسير لقوله تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] ثم بيّن تعالى ما هو الحق في هذا الباب فقال { أولئك حبطت أعمالهم } الصادرة عنهم كإكرام الوالدين وبناء الربط وإطعام الجائع لأنه لا يفيد مع الكفر طاعة لأن الكفر يوجب عقاب الأبد ولهذا قال { وفي النار هم خالدون } ولإفادة هذا التركيب الحصر احتجت الأشاعرة به على خلاص صاحب الكبيرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.