وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) قال بعض أهل التأويل : نزلت الآية في العباس بن عبد المطلب ؛ حين[ في الأصل وم : إنه ] أسر يوم بدر ، فأقبل الناس من المهاجرين والأنصار ، منهم علي بن أبي طالب وغيره ، فعيروه بالكفر بالله والقتال مع النبي وقطيعة الرحم ، فقال : ما لكم تذكرون مساوئنا ، وتذرون محاسننا ؟ فقالوا : أولكم محاسن ؟ قال : إي والله : إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني . فأنزل الله ردا عليه . لكن في آخر الآية دلالة أنه لا يحتمل أن يكون في العباس على ما قالوا لأنه قال : ( أولئك حبطت أعمالهم ) في الدنيا ( وفي النار هم خالدون ) والعباس قد أسلم من بعد ، فلا يحتمل هذا الوعيد بعد الإسلام .
وقال غيرهم من أهل التأويل : وقوله تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) أي ما كان بالمشركين عمارة مساجد الله ، إنما كان بهم خراب مساجد الله ؛ إن المساجد إنما تعمر بالذكر فيها والصلاة وإقامة الخيرات كقوله : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )الآية[ النور : 36 ] ، وهم لم يعمروها لذكر اسم الله فيها ، إنما عمروها لذكر الأصنام والأوثان . فكان بهم خراب المسجد لا العمارة .
وقال بعضهم : قوله : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) على ما عندهم ؛ لأن الذي منعهم من الإيمان بالله حبهم الدنيا وميلهم إليها ، فما ينبغي لهم أن يعمروها ، ينفقون[ في الأصل وم : وينفقوها ] ، ويضيعون أموالهم فيها ، ولا ينتفعون ، منعهم عن التوحيد والإيمان حبهم الدنيا وشهواتهم وميلهم إليها . فعلى ما عندهم ما ينبغي لهم أن يعمروها .
وقال بعضهم : قوله : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) أي ما كان على المشركين أن يعمروا مساجد الله ، لأنهم لا ينتفعون بها في الآخرة ؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة . وإنما يقصد بعمارة المساجد والإنفاق عليها الثواب في الآخرة ، وهم لا يؤمنون بها ، فتضيع نفقتهم في ذلك ؛ إذ لا مقاصد لهم ، ولا منفعة . إنما ذلك على المسلمين . ويجوز ( له ) بمعنى ( عليه ) كقوله : ( إن أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها )الآية[ الإسراء : 7 ] أي فعليها .
وقوله تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) يحتمل هذا : أي [ ما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] كان بالمشرك عمارة [ مساجد ][ ساقطة من الأصل وم ] لا بمن أشرك بالله ، وكفر بالآخرة .
وقوله تعالى : ( شاهدين على أنفسهم بالكفر ) قال بعضهم : ( شاهدين على أنفسهم ) أي على نفس محمد ومن آمن معه ؛ سماهم لأنهم من قرابتهم وأرحامهم ، وقد سمى الله المتصلين بهم بذلك كقوله : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم )[ الآية : 128 ] وقوله : ( فسلموا على أنفسكم )[ النور : 61 ] فعلى ذلك الأول يحتمل ما ذكرنا أو ( شاهدين على أنفسهم ) عند الضرورات عند نزول العذاب بهم وعند الهلاك كقوله : ( فلما رأوا بأسنا )الآية[ غافر : 84و85 ] وغير ذلك من الأحوال التي كانوا يقرون بالكفر يرجعون عنه شهدوا عليكم بالكفر .
[ وقال بعضهم : قوله ][ من م ، في الأصل : أي ] ( شاهدين على أنفسهم بالكفر ) نشهد بالكفر عليهم ؛ لأن خلقتهم تشهد على وحدانية الله ، وأنسهم تشهد على فعلهم بالكفر ، وهو ما قال تعالى : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة )[ القيامة : 14 ] قيل : بل للإنسان من نفسه بصيرة أي بيان من نفسه ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) إلى آخر الآية في قوم ماتوا على الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.