المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

29- إني لن أقاومك حين تقتلني ، لتحمل ذنب قتلك لي ، مع ذنبك في عدم إخلاصك لله من قبل ، وبذلك تستحق أن تكون في الآخرة من أهل النار ، وذلك جزاء عادل من الله لكل ظالم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

27

أجل . لقد كان في ذلك كفاية . . ولكن الأخ الصالح يضيف إليه النذير والتحذير :

( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين ) . .

إذا أنت مددت يدك إلي لتقتلني ، فليس من شأني ولا من طبعي أن أفعل هذه الفعلة بالنسبة لك . فهذا الخاطر - خاطر القتل - لا يدور بنفسي أصلا ، ولا يتجه اليه فكري إطلاقا . . خوفا من الله رب العالمين . . لا عجزا عن إتيانه . . وأنا تاركك تحمل إثم قتلي وتضيفه إلى إثمك الذي جعل الله لا يتقبل منك قربانك ؛ فيكون إثمك مضاعفا ، وعذابك مضاعفا . . ( وذلك جزاء الظالمين ) . .

وبذلك صور له إشفاقه هو من جريمة القتل ، ليثنيه عما تراوده به نفسه ، وليخجله من هذا الذي تحدثه به نفسه تجاه أخ مسالم وديع تقي .

وعرض له وزر جريمة القتل لينفره منه ، ويزين له الخلاص من الإثم المضاعف ، بالخوف من الله رب العالمين ؛ وبلغ من هذا وذلك أقصى ما يبلغه إنسان في صرف الشر ودوافعه عن قلب إنسان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

{ إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين } تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة ، والمعنى إنما استسلم لك إرادة أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي ، وإثمك ببسطك يدك إلي ونحوه المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم . وقيل معنى بإثمي بإثم قتلي ، وبإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك ، وكلاهما في موضع الحال أي ترجع ملتبسا بالإثمين حاملا لهما ، ولعله لم يرد معصية أخيه وشقاوته بل قصده بهذا الكلام إلى أن ذلك إن كان لا محالة واقفا فأريد أن يكون لك لا لي ، فالمراد بالذات أن لا يكون له أن يكون لأخيه ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته وإرادة عقاب العاصي جائزة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

وقوله : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } الآية ، ليست هذه بإرادة محبة وشهوة ، وإنما هو تخير في شرين ، كما تقول العرب في الشر خيار ، فالمعنى إن قتلتني وسبق بذلك قدر فاختياري أن أكون مظلوماً سيستنصر الله لي في الآخرة ، وتبوء معناه تمضي متحملاً . وقوله : { بإثمي وإثمك } قيل معناه : بإثم قتلي وسائر آثامك التي أوجبت أن لا يتقبل منك ، وقيل المعنى : بإثم قتلي وإثمك في العداء علي إذ هو في العداء وإرادة القتل آثم ولو لم ينفذ القتل ، وقيل المعنى : بإثمي إن لو قاتلتك وقتلتك وإثم نفسك في قتالي وقتلي .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الإثم الذي يقتضيه قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه »{[4509]} ، فكأن هابيل أراد : أني لست بحريص على قتلك ، فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصاً على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي ، وقيل المعنى : بإثمي الذي يختص لي فيما فرط لي أي يؤخذ من سيئاتي فيطرح عليك بسبب ظلمك لي «تبوء بإثمك » في قتلي وهذا تأويل يعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فيزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف ، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه{[4510]} ، وقوله تعالى : { وذلك جزاء الظالمين } يحتمل أن يكون من قول هابيل لأخيه ، ويحتمل أن يكون إخباراً من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم .


[4509]:- رواه أحمد في مسنده، وأخرجه الشيخان، وأبو داود، والنسائي- عن أبي بكرة، وابن ماجه عن أبي موسى، وهو حديث صحيح كما قال في الجامع الصغير.
[4510]:- رواه مسلم في صحيحه بلفظه.