لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

قوله عز وجل إخباراً عن هابيل { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } يعني ترجع بإثم قتلي إلى إثم معاصيك التي عملتها من قبل . فإن قلت : كيف ؟ قال هابيل إني أريد وإرادة القتل والمعصية من الغير لا تجوز . قلت : أجاب ابن الأنباري عن هذا بأن قال : إن قابيل لما قال لأخيه هابيل لأقتلنك وعظه هابيل وذكره الله واستعطفه وقال لئن بسطت إليّ يدك الآية فلم يرجع فلما رآه هابيل قد صمم على القتل وأخذ له الحجارة ليرميه بها قال له هابيل عند ذلك إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك أي إذا قتلتني ولم يندفع قتلك إياي إلا بقتلي إياك فحينئذ يلزمك إثم قتلي إذا قتلتني فكان هذا عدلاً من هابيل وإليه أشار الزجاج فقال : معناه إن قتلتني فما أنا مريد ذلك فهذه الإرادة منه بشرط أن يكون قاتلاً له والإنسان إذا تمنى أن يكون إثم دمه على قاتله لم يلم على ذلك وعلى هذا التأويل .

قال بعضهم : معناه إني أريد أن تبوء بعقاب إثمي وإثمك فحذف المضاف وما باء بإثم باءَ بعقاب ذلك الإثم ذكره الواحدي وقال الزمخشري : ليس ذلك بحقيقة الإرادة لكنه لما علم أنه يقتله لا محالة ووطن نفسه على الاستسلام للقتل طلباً للثواب فكأنه صار مريداً لقتله مجازاً وإن لم يكن مريداً حقيقة { فتكون من أصحاب النار } ينعي الملازمين لها { وذلك جزاء الظالمين } يعني جهنم جزاء من قتل أخاه ظلماً .