قوله تعالى : { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي } ، فيه ثلاثة تأوِيلات :
أحدها : على حَذْفِ همزة الاستفهام تقديره : أإنِّي أريد ؛ وهو استفهام إنكَار ؛ لأن إرادة المَعْصِيَة قبيحَةٌ ، ومن الأنْبِيَاء أقبح ؛ فهم معْصُومُون عن ذلك ، ويؤيِّد هذا التَّأويل قراءة{[11507]} من قرأ " أنَّى أريد " بفتح النون ، وهي " أنَّى " التي بمعنى " كَيْفَ " ، أي : كيف أريد ذلك .
والثاني : أنَّ " لا " محذوفةٌ تقديره : إني أريدُ أن لا تَبُوء ، كقوله تعالى : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] ، وقوله تعالى : { رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] ، أي ألاّ تضلّوا وألا تميد وهو مستَفِيضٌ وهذا أيضاً فرار من إثْبَات الإرَادَة له ، وضعَّفَ بعضهم هذا التَّأويل بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كانَ على ابْنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِها ؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ " {[11508]} .
فثبت بهذا أن الإثْمَ حاصلٌ ، وهذا الَّذي ضعَّفه به غير لاَزِم ؛ لأن قائِل هذه المقالة يقول : لا يلزم من عَدَمِ إرادَته الإثْم لأخيه عَدَم الإثم ، بل قد يريد عدمه ويَقَع .
الثالث : أن الإرادة على حَالها ، وهي : إمَّا إرادة مَجَازية ، أو حقيقيَّة على حَسَبِ اختلاف المُفسِّرين في ذلك ، وجَاءَت إرادة ذلك به لمعانٍ ذكرُوها ، من جملتها :
أنَّه ظهرت له قَرائِن تدلُّ على قرب أجلهِ ، وأنَّ أخاه كافر ، وإرادة العُقُوبَة بالكافر حَسَنة .
وقوله : " بِإثْمِي " في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تبُوء " أي : ترجعُ حاملاً له ومُلْتبساً به ، وقد تقدم نَظِيرُه في قوله { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } [ البقرة : 90 ] وقالوا : لا بُدَّ من مُضافٍ ، فقدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ{[11509]} " بمثلَ إثمي " قال : " على الاتِّسَاع في الكلام ، كما تقول : قرأت قراءة فلان ، وكتبت كِتَابَته " .
وقدَّره بعضهم{[11510]} " بإثْمِ قَتْلِي ، وإثم معصِيَتك التي لم يُقبل لأجلها قُرْبَانك ، وإثْم حسدك " .
وقيل : معناه إنِّي أريد أن تَبُوءَ بعقاب قَتْلي فتكون إرادة صَحِيحَة ؛ لأنَّها موافقة لِحُكم الله - عزَّ وجلَّ- ، ولا يكون هذا إرادة للقَتْل ، بل لموجِبِ القتل من الإثْم والعِقَاب رُوِي أن الظَّالم إذا لم يَجِد يوم القِيَامة ما يرضي خَصْمَه ، أُخِذَ من سيِّئَات المَظْلُوم{[11511]} وحمل على الظَّالم ، فعلى هذا يَجُوز أن يُقَال : إنِّي أُريد أن تَبُوء بإثْمي في قَتْلِك ، وهذا يَصْلُح جواباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.