إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

وقوله تعالى : { إِنّي أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } تعليل آخرُ لامتناعه عن المعارضة على أنه غرَضٌ متأخِّرٌ عنه كما أن الأولَ باعثٌ متقدِّمٌ عليه ، وإنما لم يُعطفْ عليه تنبيهاً على كفاية كلَ منهما في العِلّية والمعنى إني أريد باستسلامي لك وامتناعي عن التعرّض لك أن ترجِعَ بإثمي أي بمثل إثمي لو بسطتُ يدي إليك وإثمِك ببسط يدِك إليّ ، كما في قوله عليه السلام : «المُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ فَعَلَى البَادِئ مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُوم » أي على البادئ عينُ إثمِ سبِّه ومثلُ سبِّ صاحبه بحكم كونه سَبَباً له ، وقيل : معنى ( بإثمي ) إثمِ قتلي ومعنى ( بإثمك ) إثمِك الذي لأجله لم يُتقبَّلْ قُربانُك ، وكلاهما نصب على الحالية أي ترجع ملتبساً بالإثمين حاملاً لهما . ولعل مرادَه بالذات إنما هو عدمُ ملابستِه للإثم لا ملابسةِ أخيه له ، وقيل : المراد بالإثم عقوبتُه ولا ريب في جواز إرادة عقوبةِ العاصي ممن عُلِم أنه لا يرعوي عن المعصية أصلاً ، ويأباه قولُه تعالى : { فَتَكُونَ مِنْ أصحاب النار } فإن كونَه منهم إنما يترتّب على رجوعه بالإثمين لا على ابتلائِه بعقوبتهما ، وحملُ العقوبة على نوعٍ آخَرَ يترتّبُ عليها العقوبةُ النارية يردّه قوله تعالى : { وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين } فإنه صريحٌ في أن كونه من أصحاب النار تمامُ العقوبة وكمالُها ، والجملة تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبلها ، ولقد سلك في صَرْفه عما نواه من الشر كلَّ مسلك من العظة والتذكير بالترغيب تارةً والترهيب أخرى ، فما أورثه ذلك إلا الإصرارَ على الغيِّ والانهماك في الفساد .