الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (29)

قوله تعالى : { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ } : فيه ثلاثة تأويلات ، أحدها : أنه على حَذْفِ همزةِ الاستفهام ، وتقديرُه : أإني أريد ، وهو استفهام إنكارٍ لأنَّ إرادة المعصيه قبيحةٌ ، ومن الأنبياء أقبحُ ؛ فهم معصومون عن ذلك ، ويؤيِّد هذا التأويل قراءةُ مَنْ قرأ : " أنَّي أريد " بفتح النون وهي أنَّى التي بمعنى " كيف " أي : كيف أريد ذلك . والثاني : أنَّ " لا " محذوفة تقديره : إني أريدُ أن لا تبوء كقوله تعالى : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ }

[ النساء : 176 ] { رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل :15 ] أي : أن لا تضلوا ، وأَنْ لا تميد ، وهو مستفيضٌ ، وهذا أيضاً فرارٌ من إثبات الإِرادة له . وضَعَّفَ بعضهم هذا التأويلَ بقوله عليه السلام : " لا تُقْتَلُ نفسٌ ظلماً إلا كان على ابنِ آدم الأولِ كِفْلٌ من دمِها ؛ لأنه أولُ مَنْ سَنَّ القتل " فثبت بهذا أنَّ الإِثم حاصلٌ ، وهذا الذي ضَعَّفَه به غيرُ لازمٍ ؛ لأنَّ قائل هذه المقالة يقول : لا يلزم من عدمِ إرادته الإِثمَ لأخيه عدمُ الإِثم ، بل قد يريد عدَمَه ويقع . والثالث : أن الإِرادة على حالِها ، وهي : إمَّا إرادةٌ مجازية أو حقيقةٌ على حَسَبِ اختلاف أهلِ التفسير في ذلك ، وجاءت إرادةُ ذلك به لمعانٍ ذكروها ، مِنْ جملتها أنه ظَهَرَتْ له قرائنُ تَدُلُّ على قرب أجلِه وأنَّ أخاه كافر وإرادةُ العقوبةِ بالكافرِ حسنةٌ . وقولُه : " بإثمي " في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تَبُوء " أي : ترجعُ حاملاً له وملتبساً به ، وتقدَّم نظيرُه في قوله { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } [ البقرة : 90 ] . وقالوا : للا بُدَّ من مضافٍ ، فقدَّره الزمخشري : " بمثلِ إثْمي " قال : " على الاتساعِ في الكلام كما تقول : قرأتُ قراءة فلانٍ ، وكتبت كتابتَه " وقَدَّره بعضُهم :بإثم قتلي . وقوله : { وَذَلِكَ جَزَآءُ } يَحْتَمل أَنْ يكونَ من كلامِه وأن يكونَ مِنْ كلامِ اللَّهِ تعالى .