23- حَرَّمَ الله عليكم أن تتزوجوا أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، والمحرمات لغير النسب : أمهات الرضاعة ، والأخوات من الرضاعة{[41]} ، وأمهات الزوجات وبنات الزوجات من غير الأزواج إذا دخلتم بهن ، وزوجات أبناء الصلب ، والجمع بين الأختين ، وما سلف في الجاهلية فإنه معفوٌّ عنه . إن الله غفور لما سلف قبل هذا النهج ، رحيم بكم فيما شرع لكم .
والفقرة الثالثة في هذا الدرس ، تتناول سائر أنواع المحرمات من النساء . وهي خطوة في تنظيم الأسرة ، وفي تنظيم المجتمع على السواء :
( حرمت عليكم أمهاتكم ، وبناتكم ، وأخواتكم ، وعماتكم ، وخالاتكم ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن - فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم - وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، وأن تجمعوا بين الأختين - إلا ما قد سلف - إن الله كان غفورا رحيما ) . ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - كتاب الله عليكم - وأحل لكم ما وراء ذلكم . . . ) . .
والمحارم - أي اللواتي يحرم الزواج منهن - معروفة في جميع الأمم ، البدائية والمترقية على السواء . وقد تعددت أسباب التحريم ، وطبقات المحارم عند شتى الأمم ، واتسعت دائرتها في الشعوب البدائية ، ثم ضاقت في الشعوب المترقية .
والمحرمات في الإسلام هي هذه الطبقات المبينة في هذه الآية والآية التي قبلها ، والآية التي بعدها . . وبعضها محرمة تحريما مؤبدا ، وبعضها محرمة تحريما مؤقتا . . وبعضها بسبب النسب ، وبعضها بسبب الرضاعة ، وبعضها بسبب المصاهرة .
وقد الغى الإسلام كل أنواع القيود الأخرى ، التي عرفتها المجتمعات البشرية الأخرى . كالقيود التي ترجع إلى اختلاف الأجناس البشرية وألوانها وقومياتها . والقيود التي ترجع إلى اختلاف الطبقات ومقاماتها الاجتماعية في الجنس الواحد والوطن الواحد . .
والمحرمات بالقرابة في شريعة الإسلام أربع طبقات :
أولاها : أصوله مهما علوا . فيحرم عليه التزوج من أمه وجداته من جهة أبيه أو من جهة أمه مهما علون : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) . .
وثانيتها : فروعه مهما نزلوا . فيحرم عليه التزوج ببناته وبنات أولاده ذكورهم وإناثهم مهما نزلوا : ( وبناتكم ) . .
وثالثتها : فروع أبويه مهما نزلوا . فيحرم عليه التزوج بأخته وببنات إخوته وأخواته وببنات أولاد إخوته وأخواته : ( وأخواتكم ) . . ( وبنات الأخ ، وبنات الأخت ) . .
ورابعتها : الفروع المباشرة لأجداده . فيحرم عليه التزوج بعمته وخالته ، وعمة أبيه وعمة جده لأبيه أو أمه ، وعمة أمه وعمة جدته لأبيه أو أمه . . ( وعماتكم وخالاتكم ) . . أما الفروع غير المباشرة للأجداد فيحل الزواج بهم . ولذلك يباح التزاوج بين أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات .
والمحرمات بالمصاهرة خمس : 1 - أصول الزوجة مهما علون . فيحرم على الرجل الزواج بأم زوجته ، وجداتها من جهة أبيها أو من جهة أمها مهما علون . ويسري هذا التحريم بمجرد العقد على الزوجة : سواء دخل بها الزوج أم لم يدخل : ( وأمهات نسائكم ) . .
2- فروع الزوجة مهما نزلن . فيحرم على الرجل الزواج ببنت زوجته ، وبنات أولادها ، ذكورا كانوا أم إناثا مهما نزلوا . ولا يسري هذا التحريم إلا بعد الدخول بالزوجة : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن . فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) . .
3- زوجات الأب والأجداد من الجهتين - مهما علوا - فيحرم على الرجل الزواج بزوجة أبيه ، وزوجة أحد أجداده لأبيه أو أمه مهما علوا . . ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) . . أي ما سلف في الجاهلية من هذا النكاح وقد كانت تجيزه . .
4- زوجات الابناء ، وأبناء الأولاد مهما نزلوا . فيحرم على الرجل الزواج بامرأة ابنه من صلبه ، وامرأة ابن ابنه ، أو ابن بنته مهما نزل : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) . . وذلك إبطالا لعادة الجاهليةفي تحريم زوجة الابن المتبني . وتحديده بابن الصلب . ودعوة أبناء التبني إلى آبائهم - كما جاء في سورة الأحزاب .
5- أخت الزوجة . . وهذه تحرم تحريما مؤقتا ، ما دامت الزوجة حية وفي عصمة الرجل . والمحرم هو الجمع بين الأختين في وقت واحد : ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) . . أي ما سلف من هذا النكاح في الجاهلية وقد كانت تجيزه . .
ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب والصهر . وهذه تشمل تسع محارم :
1- الأم من الرضاع وأصولها مهما علون : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) .
2- البنت من الرضاع وبناتها مهما نزلن [ وبنت الرجل من الرضاع هي من أرضعتها زوجته وهي في عصمته ] .
3- الأخت من الرضاع ، وبناتها مهما نزلن ( وأخواتكم من الرضاعة ) .
4- العمة والخالة من الرضاع [ والخالة من الرضاع هي أخت المرضع . والعمة من الرضاع هي أخت زوجها ] .
5- أم الزوجة من الرضاع [ وهي التي أرضعت الزوجة في طفولتها ] وأصول هذه الأم مهما علون . ويسري هذا التحريم بمجرد العقد على المرأة - كما في النسب .
6- بنت الزوجة من الرضاع [ وهي من كانت الزوجة قد أرضعتها قبل أن تتزوج بالرجل ] وبنات أولادها مهما نزلوا . ولا يسري هذا التحريم إلا بعد الدخول بالزوجة .
7- زوجة الأب أو الجد من الرضاع مهما علا [ والأب من الرضاع هو من رضع الطفل من زوجته . فلا يحرم على هذا الطفل الزواج بمن أرضعته فحسب ، وهي أمه من الرضاع . بل يحرم عليه كذلك الزواج بضرتها التي تعتبر زوجة أبيه من الرضاع ] .
8- زوجة الابن من الرضاع مهما نزل .
9- الجمع بين المرأة وأختها من الرضاع ، أو عمتها أو خالتها من الرضاع ، أو أية امرأة أخرى ذات رحم محرم منها من ناحية الرضاع . .
والنوع الأول والثالث من هذه المحرمات ورد تحريمهما نصا في الآية . أما سائر هذه المحرمات فهي تطبيق للحديث النبوي : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " . . [ أخرجه الشيخان ] . .
هذه هي المحرمات في الشريعة الإسلامية ، ولم يذكر النص علة للتحريم - لا عامة ولا خاصة - فكل ما يذكر من علل ، إنما هو استنباط ورأي وتقدير . .
فقد تكون هناك علة عامة . وقد تكون هناك علل خاصة بكل نوع من أنواع المحارم . وقد تكون هناك علل مشتركة بين بعض المحارم .
إن الزواج بين الأقارب يضوي الذرية ، ويضعفها مع امتداد الزمن . لأن استعدادات الضعف الوراثية قد تتركز وتتأصل في الذرية . على عكس ما إذا تركت الفرصة للتلقيح الدائم بدماء أجنبية جديدة ، تضاف استعداداتها الممتازة ، فتجدد حيوية الأجيال واستعداداتها .
أو يقال : إن بعض الطبقات المحرمة كالأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت . وكذلك نظائرهن من الرضاعة . وأمهات النساء ، وبنات الزوجات - الربائب والحجور - يراد أن تكون العلاقة بهن علاقة رعاية وعطف ، واحترام وتوقير ، فلا تتعرض لما قد يجد في الحياة الزوجية من خلافات تؤدي إلى الطلاق والانفصال - مع رواسب هذه الانفصال - فتخدش المشاعر التي يراد لها الدوام .
أو يقال : إن بعض هذه الطبقات كالربائب في الحجور ، والأخت مع الأخت ، وأم الزوجة وزوجة الأب . . لا يراد خدش المشاعر البنوية أو الأخوية فيها . فالأم التي تحس أن ابنتها قد تزاحمها في زوجها ، والبنت والأخت كذلك ، لا تستبقي عاطفتها البريئة تجاه بنتها التي تشاركها حياتها ، أو أختها التي تتصل بها ، أو أمها ، وهي أمها ! وكذلك الأب الذي يشعر أن إبنه قد يخلفه على زوجته . والابن الذي يشعر أن أباه الراحل أو المطلق غريم له ، لأنه سبقه على زوجته ! ومثله يقال في حلائل الأبناء الذين من الأصلاب ، بالنسبة لما بين الابن والأب من علاقة لا يجوز أن تشاب !
أو يقال : إن علاقة الزواج جعلت التوسيع نطاق الأسرة ، ومدها إلى ما وراء رابطة القرابة . ومن ثم فلا ضرورة لها بين الأقارب الأقربين ، الذين تضمهم آصرة القرابة القريبة . ومن ثم حرم الزواج من هؤلاء لانتفاء الحكمة فيه ، ولم يبح من القريبات إلا من بعدت صلته ، حتى ليكاد أن يفلت من رباط القرابة .
وأيا ما كانت العلة ، فنحن نسلم بأن اختيار الله لا بد وراءه حكمة ، ولا بد فيه مصلحة . وسواء علمنا أو جهلنا ، فإن هذا لا يؤثر في الأمر شيئا ، ولا ينقص من وجوب الطاعة والتنفيذ ، مع الرضى والقبول . فالإيمان لا يتحقق في قلب ، ما لم يحتكم إلى شريعة الله ، ثم لا يجد في صدره حرجا منها ويسلم بها تسليما .
ثم تبقى كلمة أخيرة عامة عن هذه المحارم ، ونص التشريع القرآني المبين لها :
إن هذه المحرمات كانت محرمة في عرف الجاهلية - فيما عدا حالتين اثنتين : ما نكح الآباء من النساء ، والجمع بين الأختين . فقد كانتا جائزتين - على كراهة من المجتمع الجاهلي . .
ولكن الإسلام - وهو يحرم هذه المحارم كلها - لم يستند إلى عرف الجاهلية في تحريمها . إنما حرمها ابتداء ، مستندا إلى سلطانه الخاص . وجاء النص : حرمت عليكم أمهاتكم . . إلخ . .
والأمر في هذا ليس أمر شكليات ؛ إنما هو أمر هذا الدين كله . وإدراك العقدة في هذا الأمر هو إدراك لهذا الدين كله ، وللأصل الذي يقوم عليه : أصل الألوهية وإخلاصها لله وحده . .
إن هذا الدين يقرر أن التحليل والتحريم هو من شأن الله وحده ، لأنهما أخص خصائص الألوهية . فلا تحريم ولا تحليل بغير سلطان من الله . فالله - وحده - هو الذي يحل للناس ما يحل ، ويحرم على الناس ما يحرم . وليس لأحد غيره أن يشرع في هذا وذاك ، وليس لأحد أن يدعي هذا الحق . لأن هذا مرادف تماما لدعوى الألوهية !
ومن ثم فإن الجاهلية تحرم أو تحلل ، فيصدر هذا التحريم والتحليل عنها باطلا بطلانا أصليا ، غير قابل للتصحيح ، لأنه لا وجود له منذ الابتداء . فإذا جاء الإسلام إلى ما أحلت الجاهلية أو حرمت ، فهو يحكم ابتداء ببطلانه كلية بطلانا أصليا ، ويعتبره كله غير قائم . بما أنه صادر من جهة لا تملك إصداره - لأنها ليست إلها - ثم يأخذ هو في إنشاء أحكامه إنشاء . فإذا أحل شيئا كانت الجاهلية أو حرم شيئا كانت الجاهلية تحرمه فهو ينشيء هذه الأحكام ابتداء . ولا يعتبر هذا منه اعتمادا لأحكام الجاهلية التي أبطلها كلها ، لأنها هي باطلة ، ثم تصدر من الجهة التي تملك وحدها إصدار هذه الأحكام . . وهي الله . .
هذه النظرية الإسلامية في الحل والحرمة تشمل كل شيء في الحياة الإنسانية ، ولا يخرج عن نطاقها شيء في هذه الحياة . . إنه ليس لأحد غير الله أن يحل أو يحرم ، في نكاح ، ولا في طعام ، ولا في شراب ، ولا في لباس ، ولا في حركة ، ولا في عمل ، ولا في عقد ، ولا في تعامل ، ولا في ارتباط ، ولا في عرف ، ولا في وضع . . إلا أن يستمد سلطانه من الله ، حسب شريعة الله .
وكل جهة أخرى تحرم أو تحلل شيئا في حياة البشر - كبر أم صغر - تصدر أحكامها باطلة بطلانا أصليا ، غير قابل للتصحيح المستأنف . وليس مجيء هذه الأحكام في الشريعة الإسلامية تصحيحا واعتمادا لما كان منها في الجاهلية . إنما هو إنشاء مبتدأ لهذه الأحكام ، مستند إلى المصدر الذي يملك إنشاء الأحكام .
وهكذا أنشأ الإسلام أحكامه في الحل والحرمة ، وهكذا أقام الإسلام أوضاعه وأنظمته . وهكذا نظم الإسلام شعائره وتقاليده . مستندا في إنشائها إلى سلطانه الخاص .
لقد عني القرآن بتقرير هذه النظرية ، وكرر الجدل مع الجاهليين في كل ما حرموه وما حللوه . . عني بتقرير المبدأ . فكان يسأل في استنكار : ( قل : من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ؟ ) . . ( قل : تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) . . ( قال : لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير . . إلخ ) . .
وكان يردهم بهذه الاستنكارات إلى ذلك المبدأ الأساسي . وهو أن الذي يملك حق التحريم والتحليل هو الله وحده . وليس ذلك لأحد من البشر . . لا فرد ولا طبقة ولا أمة ، ولا الناس أجمعين . . إلا بسلطان من الله . وفق شريعة الله . . والتحليل والتحريم - أي الحظر والإباحة - هو الشريعة ، وهو الدين . فالذي يحلل ويحرم هو صاحب الدين الذي يدين الناس . فإن كان الذي يحرم ويحلل هو الله ، فالناس إذن يدينون لله ، وهم إذن في دين الله . وإن كان الذي يحرم أو يحلل أحدا غير الله ، فالناس إذن يدينون لهذا الأحد ؛ وهم إذن في دينه لا في دين الله .
والمسألة على هذا الوضع هي مسألة الألوهية وخصائصها . وهي مسألة الدين ومفهومه . وهي مسألة الإيمان وحدوده . . فلينظر المسلمون في أنحاء الأرض أين هم من هذا الأمر ؟ أين هم من الدين ؟ وأين هم من الإسلام . . إن كانوا ما يزالون يصرون على ادعائهم للإسلام ! ! !
ويليه الجزء الخامس مبدوءا بقوله تعالى : والمحصنات من النساء .
{ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن أنه معظم ما يقصد منهن ، ولأنه المتبادر إلى الفهم كتحريم الأكل من قوله : { حرمت عليكم الميتة } ولأن ما قبله وما بعده في النكاح ، وأمهاتكم تعم من ولدتك أو ولدت من ولدك وإن علت ، وبناتكم تتناول من ولدتها أو ولدت من ولدها وإن سفلت ، وأخواتكم الأخوات من الأوجه الثلاثة . وكذلك الباقيات والعمة كل أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك والخالة كل أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك قريبا أو بعيدا ، وبنات الأخ وبنات الأخت تتناول القربى والبعدى . { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما والمرضعة أختا ، وأمرها على قياس النسب باعتبار المرضعة ووالد الطفل الذي در عليه اللبن قال عليه الصلاة والسلام : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) . واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتهما من النسب بالمصاهرة دون النسب . { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ذكر أولا محرمات النسب ثم محرمات الرضاعة ، لأن لها لحمة كلحمة النسب ، ثم محرمات المصاهرة فإن تحريمهن عارض لمصلحة الزواج ، والربائب جمع ربيبة . والربيب ولد المرأة من آخر سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر ، فعيل بمعنى مفعول وإنما لحقه التاء لأنه صار اسما ومن نسائكم متعلق بربائبكم . واللاتي بصلتها صفة لها مقيدة للفظ والحكم بالإجماع قضية للنظم . ولا يجوز تعليقها بالأمهات أيضا لأن من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية ، وإذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل وجب أن يكون بيانا لنسائكم والكلمة الواحدة لا تحمل على معنيين عند جمهور الأدباء اللهم إذا جعلتها للاتصال كقوله :
إذا حاولت في أسد فجورا *** فإني لست منك ولست مني
على معنى أن أمهات النساء وبناتهن متصلات بهن ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال في رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها " إنه لا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها " . وإليه ذهب عامة العلماء ، غير أنه روي عن علي رضي الله تعالى عنه تقييد التحريم فيهما . ولا يجوز أن يكون الموصول الثاني صفة للنساءين لأن عاملهما مختلف ، وفائدة قوله { في حجوركم } تقوية العلة وتكميلها ، والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن وهن في احتضانكم أو بصدده تقوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة ، وإليه ذهب جمهور العلماء . وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعله شرطا ، والأمهات والربائب يتناولان القريبة والبعيدة ، وقوله دخلتم بهن أي دخلتم معهن الستر وهي كناية عن الجماع ، ويؤثر في حرمة المصاهرة ما ليس بزنا كالوطء بشبهة ، أو ملك يمين . وعند أبي حنيفة لمس المنكوحة ونحوه كالدخول . { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } تصريح بعد إشعار دفعا للقياس . { وحلائل أبنائكم } زوجاتهم ، سميت الزوجة حليلة لحلها أو لحلولها مع الزوج . { الذين من أصلابكم } احتراز عن المتبنين لا عن أبناء الولد { وأن تجمعوا بين الأختين } في موضع الرفع عطفا على المحرمات ، والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح فإن المحرمات المعدودة كما هي محرمة في النكاح فهي محرمة في ملك اليمين ، ولذلك قال عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما حرمتهما آية وأحلتهما آية ، يعنيان هذه الآية . وقوله : { أو ما ملكت أيمانكم } فرجح علي كرم الله وجهه التحريم ، وعثمان رضي الله عنه التحليل . وقول علي أظهر لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك ولقوله عليه الصلاة والسلام " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام " { إلا ما قد سلف } استثناء من لازم المعنى ، أو منقطع معناه لكن ما قد سلف مغفور لقوله : { إن الله كان غفورا رحيما } .