37- إن تكن حريصاً - أيها النبي - على هداية المشركين من قومك ، باذلاً معهم أقصى ما في جهدك ، فلا تهلك نفسك حزناً إذا لم يتحقق ما تريد ، فقد تحكمت فيهم الشهوات ، والله لا يجبر على الهداية من اختاروا الضلال وتمسكوا به ، لأنه يتركهم لما اختاروا لأنفسهم ، وسيلقون جزاءهم عذاباً عظيماً ، ولا يجدون لهم يوم القيامة من ينصرهم ويحميهم من عذاب الله .
ومن ثم يعقب على هذا بخطاب إلى الرسول [ ص ] يقرر سنة الله في الهدى والضلال :
( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) .
فليس الهدى أو الضلال بحرص الرسول على هدى القوم أو عدم حرصه ، فوظيفته البلاغ . أما الهدى أو الضلال فيمضي وفق سنة الله وهذه السنة لا تتخلف ولا تتغير عواقبها ، فمن أضله الله لأنه استحق الضلال وفق سنة الله ، فإن الله لايهديه ، لأن لله سننا تعطي نتائجها . وهكذا شاء . والله فعال لما يشاء . ( وما لهم من ناصرين )ينصرونهم من دون الله .
ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير{[16434]} عليهم ، وأنكر{[16435]} عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل ؛ فلهذا قال : { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } أي : اسألوا{[16436]} عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] ، { وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الملك : 18 ] .
ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } [ المائدة : 41 ] ، وقال نوح لقومه : { وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } كما قال تعالى : { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ{[16437]} فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] .
فقوله : { فَإِنَّ اللَّهَ } أي : شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؛ فلهذا قال : { لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } أي : من أضله فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ أي : لا أحد { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } أي : ينقذونهم{[16438]} من عذابه ووثاقه ، { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 54 ] .
وقوله { إن تحرص } الآية ، الحرص أبلغ الإرادة في الشيء ، وهذه تسلية للنبي عليه السلام أي إن حرصك لا ينفع ، فإنها أمور محتومة ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وشبل ومزاحم الخراساني وأبو رجاء العطاردي وابن سيرين «لا يُهدَى » بضم الياء وفتح الدال{[7296]} ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «لا يهدي » بفتح الياء وكسر الدال ، وهي قراءة ابن المسيب وابن مسعود وجماعة ، وذلك على معنيين أي إن الله لا يهدي من قضى بإضلاله ، والآخر أن العرب تقول هدي الرجل بمعنى اهتدى حكاه الفراء{[7297]} وفي القرآن { لا يهدي إلا أن يهدى }{[7298]} [ يونس : 35 ] وجعله أبو علي وغيره بمعنى يهتدي ، وقرأت فرقة «إن الله لا يَهدِي » بفتح الياء وكسر الهاء والدال ، وقرأت فرقة «إن الله لا يُهدي » بضم الياء وكسر الدال ، وهي ضعيفة{[7299]} ، وفي مصحف أبي بن كعب ، «إن الله لا هادي لمن أضل » ، قال أبو علي : الراجع إلى اسم { إن } مقدر في { يضل } على كل قراءة إلا على قراءة من قرأ «يَهْدِي » بفتح الياء وكسر الدال بمعنى يهدي الله ، فإن الراجع مقدر في «يهدي » ، وقوله { وما لهم } ضمير على معنى «من » ، وتقول العرب حَرَص يحرص{[7300]} وَحَرص يحرُص والكسر في المستقبل هي لغة أهل الحجاز ، وقرأ الحسن وإبراهيم وأبو حيوة بفتح الراء ، وقرأ إبراهيم منهم ، «وإن » بزيادة الواو .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.