عندئذ تحركت في نفس زكريا ، الشيخ الذي لم يوهب ذرية ، تحركت تلك الرغبة الفطرية القوية في النفس البشرية . الرغبة في الذرية . في الامتداد . في الخلف . . الرغبة التي لا تموت في نفوس العباد الزهاد ، الذين وهبوا أنفسهم للعبادة ونذروها للهيكل . إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، لحكمة عليا في امتداد الحياة وارتقائها :
( هنالك دعا زكريا ربه . قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة . إنك سميع الدعاء . . فنادته الملائكة - وهو قائم يصلي في المحراب - أن الله يبشرك بيحيى ، مصدقا بكلمة من الله ، وسيدا وحصورا ، ونبيا من الصالحين . . قال : رب أنى يكون لي غلام ، وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر . قال : كذلك الله يفعل ما يشاء . قال : رب اجعل لي آية . قال : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ؛ واذكر ربك كثيرا ، وسبح بالعشي والإبكار )
وكذلك . . نجدنا أمام حادث غير عادي . يحمل مظهرا من مظاهر طلاقة المشيئة الإلهية ، وعدم تقيدها بالمألوف للبشر ، الذي يحسبه البشر قانونا لا سبيل إلى إخلافه ؛ ومن ثم يشكون في كل حادث لا يجيء في حدود هذا القانون ! فإذا لم يستطيعوا تكذيبه ، لأنه واقع ، صاغوا حوله الخرافات والأساطير !
فها هو ذا " زكريا " الشيخ الكبير وزوجه العاقر التي لم تلد في صباها . . ها هو ذا تجيش في قلبه الرغبة الفطرية العميقة في الخلف - وهو يرى بين يديه مريم البنية الصالحة المرزوقة - فيتوجه إلى ربه يناجيه ، ويطلب منه أن يهب له من لدنه ذرية طيبة :
( هنالك دعا زكريا ربه . قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة . إنك سميع الدعاء ) . .
لما رأى زكريا ، عليه السلام ، أن الله تعالى يرزق مريم ، عليها السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، طمع حينئذ في الولد ، و[ إن ]{[4981]} كان شيخا كبيرا قد [ ضعف و ]{[4982]} وَهَن منه{[4983]} العظم ، واشتعل رأسه شيبا ، وإن كانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرًا ، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خَفيا ، وقال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ } أي : من عندك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } أي : ولدا صالحا
{ هنالك دعا زكريا ربه } في ذلك المكان ، أو الوقت إذ يستعار هنا وثم وحيث للزمان ، لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله تعالى . { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } كما وهبتها لحنة العجوز العاقر . وقيل لما رأى الفواكه في غير أوانها انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ ، فسأل وقال هب لي من لدنك ذرية ، لأنه لم يكن على الوجوه المعتادة وبالأسباب المعهودة . { إنك سميع الدعاء } مجيبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.