المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

154- ورفع الله الجبل فوق بني إسرائيل ، تهديداً لهم لامتناعهم عن قبول شريعة التوراة ، حتى قبلوا ، وأخذ عليهم الميثاق ، وأمرهم أن يدخلوا القرية خاضعين لله ، وألا يتجاوزوا ما أمرهم بالتزامه من العبادة في يوم السبت ، ولا يعتدوا فيه ، وقد أخذ عليهم في كل ذلك عهداً مؤكداً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

148

( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم . وقلنا لهم : ادخلوا الباب سجدا . وقلنا لهم : لا تعدوا في السبت . وأخذنا منهم ميثاقا غليظًا )

ولكن اليهود الذين لا تستشعر قلوبهم الإيمان أبوا الاستسلام لما في الألواح . . وهنا جاءهم القهر المادي الذي يناسب طبيعتهم الغليظة . إذ نظروا فرأوا الصخرة معلقة فوق رؤوسهم ؛ تهددهم بالوقوع عليهم ؛ إذا هم لم يستسلموا ولم يتعهدوا بأخذ ما أعطاهم الله من العهد ؛ وما كتب عليهم من التكاليف في الألواح . . عندئذ فقط استسلموا ؛ وأخذوا العهد ؛ وأعطوا الميثاق . . ميثاقا غليظا . . مؤكدا وثيقا . . يذكره - بهذه الصفة - ليتناسق المشهد مع غلظ الصخر المرفوع فوقهم ، وغلظ القلب الذي في صدورهم ، ثم يعطي - إلى جانب التناسق معنى الجسامة والوثاقة والمتانة على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير ، وبالتخييل الحسي والتجسيم .

وكان في هذا الميثاق : أن يدخلوا بيت المقدس سجدا . وأن يعظموا السبت الذي طلبوا أن يكون لهم عيدا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

ثم قال تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة ، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى ، عليه السلام ، ورفع الله على رؤوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا ، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم ، كما قال تعالى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]{[8546]} } [ الأعراف : 171 ] .

{ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } أي : فخالفوا ما أمروا به من القول والفعل ، فإنهم أمروا أن يدخلوا باب بيت القدس سجدا ، وهم يقولون : حطة . أي : اللهم حط{[8547]} عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه ، حتى تهنا في التيه أربعين سنة . فدخلوا يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعرة .

{ وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ } أي : وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرّم الله عليهم ، ما دام مشروعًا لهم { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } أي : شديدا ، فخالفوا وعَصَوْا وتحيلوا على ارتكاب مناهي الله ، عز وجل ، كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ]{[8548]} } [ الأعراف : 163 - 166 ] الآيات ، وسيأتي حديث صفوان بن عسال ، في سورة " سبحان " عند قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [ الإسراء : 101 ] ، وفيه : " وعليكم - خاصة يهود - أن لا تعدوا في السبت " .


[8546]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8547]:في د: "احطط".
[8548]:زيادة من ر، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطّورَ يعني : الجبل ، وذلك لما أمتنعوا من العمل بما فِي التوراة ، وقبول ما جاءهم به موسى فيها . بِمِيثاقِهِمْ يعني : بما أعطوا الله الميثاق والعهد : لنعملنّ بما في التوراة . وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا البابَ سُجّدا يعني : باب حطة ، حين أُمروا أن يدخلوا منه سجودا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم . وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السّبْتِ يعني بقوله : لا تَعْدُوا فِي السّبْتِ : لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما لم يبح لكم . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلوا البابَ سُجّدا قال : كنا نحدّث أنه باب من أبواب بيت المقدس .

وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السّبْتِ أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا لها ، وأحلّ لهم ما وراء ذلك .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أمصار الإسلام : لا تَعْدُوا فِي السّبْتِ بتخفيف العين من قول القائل : عدوت في الأمر : إذا تجاوزت الحقّ فيه ، أعدو عَدْوا وعُدْوانا وعَدَاءً . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة : «وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدّوا » بتسكين العين وتشديد الدال والجمع بين ساكنين ، بمعنى : «تعتدوا » ثم تدغم التاء في الدال فتصير دالاً مشددة مضمومة ، كما قرأ من قرأ : أمْ مّنْ لا يَهْدّي بتسكين الهاء . وقوله وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِيظا يعني : عهدا مؤكدا شديدا ، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به وينتهون عما نهاهم الله عنه مما ذكره في هذه الاَية ومما في التوراة . وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله كانوا أمروا بدخول الباب سجدا ، وما كان من أمرهم في ذلك ، وخبرهم وقصتهم ، وقصة السبت ، وما كان اعتداؤهم فيه ، بما أغنى عن إعادته لفي هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

{ ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } بسبب ميثاقهم ليقبلوه . { وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا } على لسان موسى والطور مظل عليهم . { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت } على لسان داود عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلل الجبل عليهم ، فإنه شرع السبت ولكن كان الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود عليه الصلاة والسلام ، وقرأ ورش عن نافع { لا تعدوا } على أن أصله لا تتعدوا فأدغمت التاء في الدال ، وقرأ قالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال والنص عنه بالإسكان . { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

ذكر آيات أخرى أظهرها الله لهم وهي : رفع الطور ، والأمر بقتال أهل أريحا ، ودخولهم بابها سجّداً . والباب يحتمل أنّه باب مدينة أريحا ، ويحتمل أنّه باب الممرّ بين الجبال ونحوها ، كما سيأتي عند قوله تعالى : { قال رجلان من الذين يخافون } إلى قوله { ادخلوا عليهم الباب } في سورة العقود ( 23 ) ؛ وتحريم صيد البحر عليهم في السبت . وقد مضى الكلام عليها جميعاً في سورة البقرة .

وأخذ الميثاق عليهم : المراد به العهد ، ووصفُه بالغليظ . أي القويّ ، والغلظ من صفات الأجسام ، فاستعير لقوّة المعنى وكنّى به عن توثّق العهد لأنّ الغلظ يستلزم القوّة ، والمراد جنس الميثاق الصادق بالعهود الكثيرة التي أخذت عليهم ، وقد ذكر أكثرها في آي سورة البقرة ، والمقصود من هذا إظهار تأصّلهم في اللجاج والعناد ، من عهد أنبيائهم ، تسلية للنبيء على ما لقي منهم ، وتمهيداً لقوله : { فبما نقضهم ميثاقهم } [ النساء : 155 ] .

وقوله : { لا تعدوا } قرأه نافع في أصحّ الروايات ، وهي لورش عنه ولقالون في إحدى روايتيه عنه بفتح العين وتشديد الدال المضمومة أصله : لا تعْتدوا ، والاعتداء افتعال من العَدوْ ، يقال : اعتدى على فلان ، أي تجاوز حدّ الحقّ معه ، فلمّا كانت التاء قريبة من مخرج الدال ووقعت متحرّكة وقبلها ساكن ، تهيّأ إدغامها ، فنقلت حركتها إلى العين الساكنة قبلها ، وأدغمت في الدال إدغاماً لقصد التخفيف ، ولذلك جاز في كلام العرب إظهارها ؛ فقالوا : تَعْتَدوا وتَعَدّوا ، لأنَّها وقعت قبل الدال ، فكانت غير مجذوبة إلى مخرجه ، ولو وقعت بعد الدال لوجب إدغامها في نحو أدّان .

وقرأ الجمهور ، وقالون في إحدى روايتين عنه : « لا تَعْدوا » بسكون العين وتخفيف الدال مضارع مجزوم من العدو ، وهو العُدوان ، كقوله : { إذ يَعْدون في السبت } في سورة الأعراف ( 163 ) ؛ وفي إحدى روايتين عن قالون : باختلاس الفتحة ، وقرأه أبو جعفر : بسكون العين وتشديد الدال ، وهي رواية عن نافع أيضاً ، رواها ابن مجاهد . قال أبُو علي ، في : وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذ كان الثاني منهما مدغماً ولم يكن الأول منهما حرف لين ، نحو دابَّة ، يقولون : المدّ يصير عوضاً عن الحركة ، قال : وإذا جاز نحو دُوَيْبَّة مع نقصان المدّ الذي فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو : تَعدُوا . لأنّ ما بين حرف اللين وغيره يَسير ، أي مع عدم تعذّر النطق به .