المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

30- فسهَّلت له نفسه أن يخالف الفطرة ، وأن يقتل أخاه ، وقتله ، فصار في حكم الله من الخاسرين ، إذ خسر إيمانه وخسر أخاه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

27

ولكن النموذج الشرير لا تكمل صورته ، حتى نعلم كيف كانت استجابته :

( فطوعت له نفسه قتل أخيه ، فقتله ، فأصبح من الخاسرين ) . .

بعد هذا كله . بعد التذكير والعظة والمسالمة والتحذير . بعد هذا كله اندفعت النفس الشريرة ، فوقعت الجريمة . وقعت وقد ذللت له نفسه كل عقبة ، وطوعت له كل مانع . . طوعت له نفسه القتل . . وقتل من ؟ قتل أخيه . . وحق عليه النذير :

( فأصبح من الخاسرين ) . .

خسر نفسه فأوردها موارد الهلاك . وخسر أخاه ففقد الناصر والرفيق . وخسر دنياه فما تهنأ للقاتل حياة . وخسر آخرته فباء بأثمه الأول وإثمه الأخير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

وقوله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي : فحسنت{[9657]} وسوّلت له نفسه ، وشجعته على قتل أخيه فقتله ، أي : بعد هذه الموعظة وهذا الزجر .

وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر ، وهو محمد بن علي بن الحسين : أنه قتله بحديدة في يده .

وقال السُّدِّي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال ، فأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له ، وهو نائم فرفع صخرة ، فشدخ بها رأسه فمات ، فتركه بالعَرَاء . رواه ابن جرير .

وعن بعض أهل الكتاب : أنه قتله خنقًا وعضًا ، كما تَقْتُل{[9658]} السباع ، وقال ابن جرير{[9659]} لما أراد أن يقتله جعل{[9660]} يلوي عنقه ، فأخذ إبليس دابة ووضع{[9661]} رأسها على حجر ، ثم أخذ حجرًا آخر فضرب به رأسها حتى قتلها ، وابن آدم ينظر ، ففعل بأخيه مثل ذلك . رواه ابن أبي حاتم .

وقال عبد الله بن وَهْب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : أخذ برأسه ليقتله ، فاضطجع له ، وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله ، فجاءه{[9662]} إبليس فقال : أتريد أن تقتله ؟ قال : نعم . قال : فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه . قال : فأخذها ، فألقاها عليه ، فشَدَخ رأسه . ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعًا ، فقال : يا حواء ، إن قابيل قتل هابيل . فقالت له : ويحك . أيّ{[9663]} شيء يكون القتل ؟ قال : لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك . قالت : ذلك الموت . قال : فهو الموت . فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح ، فقال : ما لك ؟ فلم تكلمه ، فرجع{[9664]} إليها مرتين ، فلم تكلمه . فقال : عليك الصيحة وعلى بناتك ، وأنا وبنيّ منها برآء . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : { فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي : في الدنيا والآخرة ، وأيّ خسارة أعظم من هذه ؟ . و قد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية{[9665]} ووَكِيع قالا حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مُرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُقتَل نفس ظلمًا ، إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " .

وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرق ، عن الأعمش ، به . {[9666]}

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج قال : قال ابن جُرَيْج : قال مجاهد : عُلّقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج - قال : وقال عبد الله بن عمرو : إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذابِ ، عليه شطر عذابهم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حُمَيْد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، أنه حدّث عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول : إن أشقى أهل النار{[9667]} رجلا ابن آدم الذي قتل أخاه ، ما سُفِك دم في الأرض منذ قَتَل أخاه إلى يوم القيامة ، إلا لحق به منه شر ، وذلك أنه أول من سَنّ القتل . {[9668]}

وقال إبراهيم النخعي : ما من مقتول يقتل ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كِفْل منه .

رواه ابن جرير أيضًا .


[9657]:في أ: "فحسنت له".
[9658]:في أ: "يقتل".
[9659]:في هـ: "ابن جريج".
[9660]:في أ: "فجعل".
[9661]:في ر، أ: "فوضع".
[9662]:في أ: "فجاء".
[9663]:في ر، أ: "وأي".
[9664]:في أ: "ثم رجع".
[9665]:في أ: "يعقوب".
[9666]:صحيح البخاري برقم (3335) وصحيح مسلم برقم (1677) وسنن الترمذي برقم (2673) وسنن النسائي الكبرى برقم (3447) وسنن ابن ماجة برقم (2616).
[9667]:في أ: "إن أشقى الناس".
[9668]:تفسير الطبري (10/219).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله فَطَوّعَتْ : فأقامته وساعدته عليه . وهو «فَعّلْت » من الطوع ، من قول القائل : طاعني هذا الأمر : إذا انقاد له .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فشجعت له نفسه قتل أخيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ومحمد بن حميد ، قالا : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال : شجعت .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال : فشجعته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ قال : شجعته على قتل أخيه .

وقال آخرون : معنى ذلك : زينت له . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال : زينت له نفسه قتل أخيه ، فقتله .

ثم اختلفوا في صيغة قتله إياه كيف كانت ، والسبب الذي من أجله قتله . فقال بعضهم : وجده نائما فشَدَخ رأسه بصخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فيما ذكر عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس . وعن مرّة ، عن عبد الله . وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلُ أخيهِ فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال . وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له في جبل وهو نائم ، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه ، فمات ، فتركه بالعراء .

وقال بعضهم ، ما :

حدثني محمد بن عمر بن عليّ ، قال : سمعت أشعث السجِستاني يقول : سمعت ابن جريج قال : ابن آدم الذي قتل صاحبه لم يدر كيف يقتله ، فتمثل إبليس له في هيئة طير ، فأخذ طيرا فقصع رأسه ، ثم وضعه بين حجرين فشدَخَ رأسه ، فعلّمه القتل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قتله حيث يرعى الغنم ، فأتى فجعل لا يدري كيف يقتله ، فَلَوى برقبته وأخذ برأسه . فنزل إبليس ، وأخذ دابة أو طيرا ، فوضع رأسه على حجر ، ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه ، وابن آدم القاتل ينظر ، فأخذ أخاه ، فوضع رأسه على حجر وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا يقول ، فذكر نحوه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أكلت النار قربان ابن آدم الذي تقبّل قربانه ، قال الاَخر لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قرّبت قربانا فتقبل منك وردّ عليّ ؟ والله لا تنظر الناس إليّ وإليك وأنت خير مني فقال : لأقتلنك فقال له أخوه : ما ذنبي إنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ المُتّقِينَ ؟ فخوّفه بالنار ، فلم ينته ولم ينزجر ، فطوّعت له نفسه قتل أخيه ، فقتله فأصبح من الخاسرين .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجمرة وهو متقنع متوكىء على يديّ ، حتى إذا وازينا بمنزل سمرة الصرّاف ، وقف يحدثني عن ابن عباس ، قال : نهى أن ينكح المرأة أخوها توأمها وينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد في كلّ بطن رجل وامرأة ، فولدت امرأة وسيمة ، وولدت امرأة دميمة قبيحة ، فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي قال : لا ، أنا أحقّ بأختي . فقرّبا قربانا فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله . فلم يزل ذلك الكبش محبوسا عند الله حتى أخرجه في فداء إسحاق ، فذبحه على هذا الصفا في ثَبِيِر عند منزل سَمُرة الصراف ، وهو على يمينك حين ترمي الجمار . قال ابن جريج : وقال آخرون بمثل هذه القصة . قال : فلم يزل بنو آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء ، فنكح ابنة عمه ، وذهب نكاح الأخوات .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عزّ ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه ، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفته قتله إياه . وجائز أن يكون على نحو ما قد ذكر السديّ في خبره ، وجائز أن أن يكون كان على ما ذكره مجاهد ، والله أعلم أيّ ذلك كان ، غير أن القتل قد كان لا شكّ فيه .

وأما قوله : فأصْبَحَ مِنَ الخاسِرِينَ فإن تأويله : فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم من حزب الخاسرين ، وهم الذين باعو آخرتهم بدنياهم بإيثارهم إياها عليها فوُكسوا في بيعهم وغُبنوا فيه ، وخابوا في صفقتهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

{ فطوعت له نفسه قتل أخيه } فسهلته له ووسعته من طاع له المرتع إذا اتسع . وقرئ " فطاوعت " على أنه فاعل بمعنى فعل ، أو على أن { قتل أخيه } كأنه دعاها إلى الإقدام عليه فطاوعته ، وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله . { فقتله فأصبح من الخاسرين } دينا ودنيا ، إذ بقي مدة عمره مطرودا محزونا . قيل قتل هابيل وهو ابن عشرين سنة عند عقبة حراء . وقيل : بالبصرة في موضع المسجد الأعظم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

قراءة الجمهور { فطوعت } والمعنى أن القتل في ذاته مستصعب عظيم على النفوس ، فردته هذه النفس اللجوجة الأمارة بالسوء طائعاً منقاداً حتى واقعه صاحب هذه النفس{[4511]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجراح والحسن بن عمران وأبو واقد «فطاوعت » والمعنى كأن القتل يدعو إلى نفسه بسبب الحقد والحسد الذي أصاب قابيل ، وكأن النفس تأبى لذلك ويصعب عليها ، وكل جهة تريد أن تطيعها الأخرى ، إلى أن تفاقم الأمر وطاوعت النفس القتل فواقعته ، وروي أنه التمس الغرة في قتله حتى وجده نائماً في غنمه فشدخ رأسه بحجر ، وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل ، وروي أنه لما انصرف قابيل إلى آدم قال له أين هابيل قال لا أدري كأنك وكلتني بحفظه فقال له آدم أفعلتها والله إن دمه ليناديني من الأرض ، اللهم العن أرضاً شربت دم هابيل ، فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دماً ، ثم أن آدم صلى الله عليه وسلم بقي مائة عام لم يبتسم حتى جاء ملك فقال له حياك الله يا آدم وبياك فقال آدم : ما بياك ؟ قال أضحكك . ويروى أن آدم عليه السلام قال حينئذ :

تغيرت البلادُ ومن عليها . . . فوجه الأرض مغبرٌّ قبيح

تغير كل ذي طعم ولون . . . وقل بشاشة الوجه المليح

وكذا هو الشعر بنصب بشاشة وكف التنوين ، وروي عن مجاهد أنه قال : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج .

قال القاضي أبو محمد :

فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمنه قوله تعالى : { فأصبح من الخاسرين } : ومن خسرانه ما روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال إنّا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم ، ومن خسرانه ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها{[4512]} ، وذلك أنه أول من سن القتل » وقوله : { فأصبح } عبارة عن جميع أوقاته ، أقيم بعض الزمن مقام كله ، وخصّ الصباح بذلك لأنه بدء النهار والانبعاث إلى الأمور ومطية النشاط ، ومنه قول الربيع بن ضبع :

أصبحت لا أحمل السلاح . . . البيت ،

ومنه قول سعد بن أبي وقاص ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، إلى غير ذلك من استعمال العرب لما ذكرناه .


[4511]:- طوّعت له نفسه: أي سهّلت نفسه عليه الأمر وشجعته، وصورت له أن قتل أخيه طوع له سهل، يقال: طاع الشيء يطوع: سُهل وانقاد، وطوّعه فلان له: سهّله.
[4512]:- الحديث في الصحيحين وغيرهما- عن ابن مسعود، ذكر ذلك الشوكاني. وقال في "الدر المنثور": أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر- عن ابن مسعود رضي الله عنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

قوله : { فطوّعت له نفسه قتل أخيه } دلّت الفاء على التفريع والتعقيب ، ودلّ ( طَوّع ) على حدوث تردّد في نفس قابيل ومغالبة بين دافع الحَسد ودافع الخشية ، فعلمنا أنّ المفرّع عنه محذوف ، تقديره : فتردّد مَليّاً ، أو فترصّد فُرصاً فَطوّعت له نفسه . فقد قيل : إنّه بقي زماناً يتربّص بأخيه ، ( وطوّع ) معناه جعله طائعاً ، أي مكَّنه من المطوّع . والطوع والطواعية : ضدّ الإكراه ، والتطويع : محاولة الطوع . شُبّه قتل أخيه بشيء متعاص عن قابيل ولا يطيعه بسبب معارضة التعقّل والخشيةِ . وشبّهت داعية القتل في نفس قابيل بشخص يعينه ويذلّل له القتل المتعاصي ، فكان ( طوّعت ) استعارة تمثيلية ، والمعنى الحاصل من هذا التمثيل أنّ نفس قابيل سَوّلت له قتل أخيه بعد ممانعة .

وقد سُلك في قوله : { فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله } مسلكُ الإطناب ، وكان مقتضى الإيجاز أن يحذف { فطوّعت له نفسه قتلَ أخيه } ويقتصر على قوله { فقتَلَه } لكن عدل عن ذلك لقصد تفظيع حالة القاتل في تصوير خواطره الشرّيرة وقساوة قلبه ، إذ حدّثه بقتل من كان شأنه الرحمة به والرفق ، فلم يكن ذلك إطناباً .

ومعنى { فأصبح من الخاسرين } صار ، ويكون المراد بالخسارة هنا خسارة الآخرة ، أي صار بذلك القتل ممّن خسر الآخرة ، ويجوز إبقاء ( أصبح ) على ظاهرها ، أي غدا خاسراً في الدّنيا ، والمراد بالخسارة ما يبدو على الجاني من الاضطراب وسوء الحالة وخيبة الرجاءَ ، فتفيد أنّ القتل وقع في الصّباح .